لم يكن خطاب الملك في الامم المتحدة خطابا اعتياديا ولم تكن المشاركة الاردنية مجرد مشاركة روتينية يتحدث كل زعيم عن احوال بلده واوضاع امته ويغدق بالتصور والتمني وهي صيغة ملها العالم وصمتت اذان المستمعين لها, بل جاءت بمباشرتها متميزة وبوضوحها وصراحتها خارجة عن المألوف شكلت لغة عالمية وفكراً مفتوحاً ورؤى انسانية بحتة منتقاة يدركها ويعرف الغرب معانيها وتفاصيلها وحيثياتها كونها جاءت تخاطب صميم فكرهم وواسع ثقافتهم وواسلوب تفكيرهم وادراكهم . فالحقيقة عنصر مشترك لا يستطيع احد نكرانه خاصة وان التغني بالمسؤولية والمصداقية جاء من ترسخ معاني الحقيقة التي غذت ثقافة الشعوب وقوننتها وجعلتها منهج الناس وسلوكهم.
فالخطاب الانساني العالمي الذي اتصف به خطاب الملك ورؤياه تحدث عن اولويات البشرية وعناصر وجودها وبقائها وتطورها وهي عناوين طالما وان تحدث بها العلماء والفلاسفة الذين اقروا تغيرات التاريخ وتبدل مراكز القوى وتشكل الحضارات ونهايتها ونزوعها نحو حضارة بشرية مشتركة جامعة اقرب للتشابه جراء هذا التطور وهذه التكنلوجيا التي قربت العالم ووضعت الامة البشرية في تفاعل مشترك ومستمر متعدية حواجز الزمان والمكان وعناصر الاختلاف الثقافي والايدولوجي’ بل على العكس خلقت عالما افتراضيا جديدا له سماته وميزاته وخصائصه, مشكلة رايا عاما بشريا متناميا ومواقف شبه متحدة بعد ان وضعت للناس - وبفعل تنافس الوسائل والادوات الاتصالية ورغبة الدول في كسب التأييد وكشف مغالطات الاخرين في حرب سياسية ضروس - الاراء المختلفة والمعلومات المتنوعة وتركت لهم الحكم وتشكيل الراي مقربة الديانات والعناصر المشتركة بينها والحضارات وعوامل التعاون والتفاعل وتعزيز قيم الوسطية والاعتدال والتوازن والمساواة وحق الشعوب بالسلم والرفاه والمشاركة بالمسيرة الانسانية كل بخصائصه ومشاربه وميزاته .
ولما كان الملك وبرؤياه يسعى لوضع نموذجا فريدا في منطقة ملتهبة متصارعة لا يقر لها قرار تتقاذفها امواج السياسة الدولية وتجاذبات القوى العالمية كان حديث الملك عن التجربة الديمقراطية الاردنية وتشبث المواطن الاردني بالاصلاح والديمقراطية ونزعته نحو التطور والنهوض وفق معايير المساواة والعدالة والحرية والنهوض هو انتصار بحد ذاته وهي سمات يتحلى بها شباب الوطن باعتبار ان ما يزيد عن 70%من سكان الاردن هم من الشباب , فتراكم الانجازات التي تنتقل من الاباء الى الجداد وبخطى ثابتة هو تعزيز لبناء الحضارة الانسانية وفتح انوار الانفاق المظلمة التي يحاول البعض بمآمراتهم ان يضعونا فيها لا نرى شيئا رغم عيوننا المفتوحة , فنموت عاجزين عن نقل ارث عظيم يتوارثه الابناء وينقلوه لما بعدهم .
خطاب الملك الذي تحدث بلغة الصراحة والحقيقة التي يتغنى بها الغرب ويمارس عليها التحايل ركز هذا الخطاب على ماهية عدو الانسانية المشترك مطالبا بوضوح المواق وتحديدها لازالة الغمامة التي تغطي الافعال والاقوال , فتحديد المواقف يتطلب بالضرورة معرفة من هو العدو وبالتالي من معه ومن ضده بعيدا عن التضليل والتصريحات الدولية غير المتوافقة مع السلوك على الارض فالارادة الحقيقية الصادقة للدول العظمى قادرة على ايقاف الحرب بسوريا والعراق واليمن وفي كل بقاع الارض وحل قضية فلسطين فقد آن الاوان ان تستعيد هذه المنطقة حياتها وتلتقط انفاسها بعد هذه السنوات والعقود من النزاع والقتل والدمار الذي عشناه بابشع صورة واسوء معانيه , فاين الشرعية الدولية واين حقوق الانسان و واين الانسانية ومسؤوليتها التي اصبحت شعارا تتغنى به الاتحادات والتحالفات والتجمعات . ؟!
وفي النقطة الاهم والحديث عن الاسلام والدفاع عنه وسط هذا التشوية والافكار المغلوطة التي تحاول مراكز بحث وايدلوجيات ومراكز قوى التركيز عليها وسط شبكات الاتصال المختلفة ومحاولة تسميم افكار العالم بمعلومات وافكار مغلوطة مشوهة عن الاسلام وبنماذج لا تمثل الاسلام ولا حقيقته ولا معتنقيه الذين يمثلون ربع سكان العالم . فتراى الملك هو الوحيد بين زعماء الامتين العربية والاسلامية الذي يتصدى لقوى الشر العالمية مستخدما منابر السياسة والاعلام والاقتصاد العالمية لايصال الكلمة الحقة والمعلومة الصادقة فيعرف الناس بحقيقة الاسلام وكيف بني اساسا على حقوق الانسان واعترافه بالاديان السماوية وجعلها ركنا من اركانه بل ذكر العالم بدور المسلمين الذين ينتشرون في كل الدول ويتميزون بمشاركتهم الفاعلة في صياغة مستقبل البشريةخاصة وان المسلم الحقيقي غني بمسؤولية المدنية، وايمانه بالعدالة والعطاء، والحياة الأسرية، والإيمان باللهوالتشاركية واحترام الاخرين باعتبار ان الجميع متساوين بالكرامة ولا تمييز بين بني البشرفلا اكراه في الدين ولا هيمنة ولا استعباد . ولكل مواطن الحق في أن تحفظ الدولة حياته وأسرته وممتلكاته وعرضه وحريته الدينية كما فعل عمرلسكان ايليا( القدس ) حيث نجد اسرائيل اليوم تمارس عكس ذلك وتجرع الفلسطينيين مسلمين ومسيحيين ابشع الظلم والحرمان وعلى مرأى من امبراطوريات الديمقراطيات المزعومة وحقوق الانسان .
يعود الملك ليخاطب العالم بالعودة لمنطق العقل والمنطق والتعاون الذي هو السبيل لانهاء معاناة الشعوب المشردة والمحرومة والمضطهدة؟! فالملك يؤكدة مرة اخرى ان النار والقتال والحرب لا يمكن ان تحقق شيئاً ولا تفرز منتصرا وخاسرا والتجارب كثيرة ولا بد من العودة لصوت السلام والحوار والعقل والفكر فالحرب الحاسمة في عصرنا هي ميدان الفكر والعقل. لان الكراهية وايدلوجيتها لا بد وان تنتتزع من نفوس البشر اذا اردنا ان نورث لاطفالنا مستقبلا يستطيعون به الولوج للافضل.