حِبـْر على الشّاهِدِ الأيْسر
راتب المرعي الدبوش
26-09-2016 09:38 AM
أمْسِ ،تَذَكّرْتُ عِبَارَةَ الْمُبْدِعِ الرّائِـع (موسى حجازين)، فِي مَسْرَحِـيّةِ " الآنَ فَهِمْتُكُمْ " ، حَيْثُ شَبّهَ الْوَطَنَ ، وَهُوَ يَـبْكيْ حَقيْقَةً لا تَمْثيلاً، بِرَغيفِ الْخُبْز ... نُقْسِمُ بِهِ وَبِوُجُودِه ، وَنَحْنُ نَأْكُلُهُ، وَنَنْهَشُهْ ..
تَذَكّرْتُ تِلْكَ الْعِبَارَةَ الّتي تُلَخِّصُ، وتُجَسِّـدُ حَالَةَ التّناقُضِ الْحَادِّ بَيـْنَ الْقَوْلِ والْفِعْل ، بَـيْنَ التّـنْظيرِ والْمُمَارَسَة ، بَـيْنَ مَا نَقُولُهُ وَنَحْنُ نَسْتَحْوِذُ عَلى رَغيفِ الْخُبْزِ كُلِّه ، وَمَا نَـتَقَيّأُهُ مِن الْكَلامِ الْجَافِّ ، والتّهْديدِ الْبَعيدِ عَنْ شِيَمِ الْفُرُوسِيّةِ ، وَأخْلَاقِ الْمُواطَنَة ،عِنْدَمَا تَنْقُصُ لُقْمَةٌ صَغيرةٌ مِنْ هَذا الرّغيفِ الّذي تَوَهّمْـنَا أنّـهُ ( مُـطَـوّبٌ ) بَأسْمَائِنَا ، عَلَى مَرِّ الدُّهُور ، وَأنّه مُا خُلِقَ إلّا لِـبُطُونـِنا الّتي لا تَشْبَع.
إنّ مَنْطِقَ (إلِيْ لَحَالِيْ وْبَسْ)، و (إمّا كُـلّهْ، أوْ بَلَا مِنُّهْ ) مَنْطِقٌ لَا يَليقُ بِمَنْ يَتـَصَدَّوْنَ لِلْعَمَلِ في السّياسَةِ ، سَواءٌ كَانَ ذلكَ في الْمَيدانِ الْحِزْبيّ ، أوْ النّقَابيّ ، أوْ الْبَرْلَمَانيّ ، ولا يَليقُ أيْضاً بِمَنْ يَطْمَحُونَ إلى ذلِكَ ، أوْ يَسْعَوْنَ إليْهِ ، أوْ بِـهِ يَحْلُمُون.
***
الدّيمقراطِيُّ الْحَقيقِيُّ الصّادِقُ هُو مَنْ يُؤْمِنُ أنّ الْمَـيْدانَ ليْسَ لَهُ وَحْدَهُ ، وأنـّه ليْسَ الْمَالِكَ الْوحيدَ لِلْحَقيقَة، وأنّهُ لَيْسَ الْوحيدَ الْمُؤهّلَ لِـتَقَدُّمِ النّاسِ والْجَمَاهيرِ ، وتَمْثيلِهمْ والتّعْبيرِ عَنْهُمْ والتّحَدُّثِ بِاسْمِهِمْ ، وأنـّه لَيْسَ الْوَحيدَ الّذي مِنْ حَقِّه أنْ يُحْرِزَ كُلّ شَيْءٍ ، وأنْ يَـنَالَ الْفَوْزَ دَائمَاً وبِاسْتِمْرَار ، أمّا الآخَرونَ فَلَهُم الْحِرْمَانُ ، وَتـَكْفيهِمْ مُتْعَةُ الْفُرْجَةِ ، وَمَهَمّةُ التّصْفيقِ مِنْ خَلْفِ الْأسْوَار .
لِلْمُتَسَابقينَ الآخرينَ قَوَاعِدُهُمْ، ولَهُمْ أنْصَارُهُمْ الّذينَ عَبّرُوا عَنْ تَأييدِهِمْ بَأصْواتٍ، وَضَعُوهَا فِي صَنَاديقِ الْاقْتِراعِ تَحْتَ سَمْعِ كُلِّ الْعَالَمِ وَبَصَرِه، فِي مُمَارَسَةٍ دِيمقراطيةٍ بَـيّضَتْ وَجْهَ الْوَطَن، وَهُوَ الْأبـْيـَضُ دَائِمَاً، بِشَهادَةِ مُؤسّسَاتِ مُجْتَمَعٍ مَدَنِيٍّ؛ مَحَلّيَةٍ وَعَالَمِيّةٍ مُحَايِدَة.
***
نُدْرِكُ أنـّه لا أحَدَ يُحِبُّ أنْ يَفْشَل، ونُدْرِكُ أنْ لا أحَدَ يُحَبُّ أنْ يَخْسَرَ، ولَكِنّ طَبيعةَ التّعَامُلِ مَعَ هَذا اْلفَشَلِ، أْوْ تِلْكَ الْخَسَارَةِ – هُوَ مَا يُمَيِّـزُ بينَ مُـتَسَابِقٍ ديمقراطيٍّ نَاضِجٍ، وآخَرَ بِـحَاجَةٍ إلى مَزيدٍ مِنْ النُّضْجِ، والتّجَارِبِ، والتّشَبُّعِ بِالرُّوحِ الدّيمقراطية.
أمّا الّذي لا يَتَقَـبّلُ الْخَسَارَةَ، وَلَا يَرُدُّهَا إلى أسْبَابِهَا الْمَوْضُوعِـيّة، بَعيدَاً عَنْ لُغَةِ التّـخْوينِ، وَذِهْنِـيّةِ الْمُؤامَرَة، فَإنّهُ لَا يَسْتَحِقُّ دُخُولَ السِّبَاقِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الَفَوْز؛ لأنّ مَنْ يَجْهَلُ، وَيَتـّهِمُ وَيُخَوِّنُ ،وَيُسَمِّمُ الْأجْـوَاءَ إذَا فَشِل، سَيَكْفُـرُ حَتْمَاً إذَا فَاز . وَمَنْ يُفَكّر بِحَرْقِ الْـبَيـَادِر ، سَيَمُوتُ قَبْلَ الْحَصَاد.