الوطن .. " ديروا بالكو عليه "
عدنان الروسان
26-09-2016 02:20 AM
ربما ليس من الحكمة أن يدلي أي كاتب بدلوه في موضوع مقتل الكاتب ناهض حتر لأن الكتابة مركب صعب ، فمن ناحية ، النفوس مشتعلة بالغضب و الكراهية و الاستياء ، و لا يمكن من قريب أو بعيد أن لا نتفهم مصاب أهل القتيل و عائلته في مصابهم الجلل و قد فقدوا عزيز عليهم و بظروف قاهرة مليئة بالمتناقضات ، و من ناحية ثانية يحاول الكثيرون تحميل الحكومة مسؤولية مقتل ناهض رحمه الله ، و الدفاع عن الحكومة في هذا الوقت أمر في غاية الصعوبة و سيضع الكاتب في موضع المتهم أو المرائي أو المداهن أو غير ذلك ، و من ناحية ثالثة هناك مشاعر متناقضة لدى الشارع الذي لا يريد أن يقتل أحد بسبب رأيه و فكره و لا يريد أن تنتهك حرمات الله و أن يمس أحد بها ، لأن الله هو الله عند الناس و هو مقام لا يمكن المساس به تحت أي ظرف أو مبرر.
و أغامر بالكتابة لسببين ، أولهما أنني ربما كنت الكاتب الوحيد الذي كتب دفاعا عن ناهض حينما سجن ، و شاركت معه في بعض اللقاءات السياسية التلفزيونية و الفكرية و بالتالي فلست من الذين لهم موقف خصومة مع الكاتب الراحل و الأمر الثاني و المهم أن الموضوع موضوع وطن و لا بد رغم الصدمة والذهول اللذين أصاب الجميع أن نتحدث بواقعية و تعقل رغم شعورنا المرير الغامر بالأسف مع مصيبة عائلة الفقيد و أهله و عشيرته .
لم تكن الحكومة و لا الرئيس في موقف يسمح لهما بتجاهل ما قام به الفقيد و قد سجنت قبله أمجد قورشة و زكي بني ارشيد و ليث شبيلات لأسباب مشابهة أو أقل أهمية ، و كان سيفسر سكوت الحكومة عن ذلك و كأنه تحد للمجتمع بأكمله ، و أنا الآن لا ألوم الحكومة لأنها سجنته و لكنني ربما ألومها لأنها أطلقت سراحه و كان من الأولى إبقاءه في منزله حماية له و حفاظا على حياته و قد توعده كثيرون بالعقاب و القتل ، و سجن شهرين أو ثلاثة كان أفضل من إطلاق سراح و ما قد يترتب عليه أو ما ترتب عليه .
تصرف الحكومة كان عاقلا و رشيدا في ذلك ، و بغض النظر عن التفسيرات و التحليلات فإن علينا أن نأخذ المزاج العام للشعب و الأمة بعين الاعتبار و نحن لا نستطيع أن نغير الدنيا و الناس في قضايا الدين و العادات ، لقد نشرت تشارلي ابدو صورا مسيئة للرسول صلى الله عليه و سلم فذهب أناس إلى وسط باريس و قتلوا و جرحوا العشرات ، هذا في فرنسا فكيف في بلد من بلداننا التي تتأثر بصورة أكبر بهذه القضايا و لديها ما شعر أكثر تأججا في موضوع الدين و موضوع الله ، و أنا أستغرب أن الأمر حدث مع ناهض رحمه الله فأنا أعرفه راشدا عاقلا قارئا جيدا للوضع المحلي و الإقليمي و لا يمكن أن يتصرف بطريقة تثير كل المجتمع أو غالبه ضده ، و لكن الأمر حصل و ما كان ، كان ، و نحن أمام موقف يستدعي أن نتكلم لا أن نصمت ، و أن نفكر و نحلل و ننصح و أن نجري نقاشا ناضجا وطنيا صادقا بشأن المثل و الخطوط الحمراء التي لا يجب أن نقترب منها حتى لا نكسر مالا يمكن إصلاحه بيننا و حتى يبقى الوطن عزيزا كريما قويا في وسط الحرائق المشتعلة حولنا من كل جانب.
لا ألوم أحدا من المكلومين الذي يطلقون تصريحات قوية و لا أظن الحكومة ستلومهم ، فهذه ساعة فجيعة للأهل و المقربين من ناهض ، و لكننا نناشدهم بالله أن يكونوا على قدر مقامهم في نفوس الوطن و أن يثقوا أن ما جرى أدانه الجميع فليس هناك احد مع أن يقوم كل فرد في المجتمع بتنفيذ عدالته بنفسه ، فالعدالة منوطة حكما و شرعا و قانونا بالدولة و الدولة لن تتهاون في ذلك ، و سيحاكم الفاعل و ينال جزاءه العادل ، كما أن على الكتاب و المفكرين أن يخرجوا من ثياب التسطيح في مناقشة القضايا الوطنية و الاصطفاف مع هذا أو ذاك من منطلق مصلحي بحب بل يجب أن يكون البعد الأخلاقي هو الذي يحكم المعادلة و يحكم الجميع ، و المسألة ليست ما حدث اليوم فقط لكن الأحداث متلاحقة و مسؤولية الحفاظ على الأمن الوطني و السلم الأهلي مسؤولية وطنية أخلاقية جبرية على كل المواطنين الأردنيين ، و يجب أن تكون الرؤيا واضحة تماما فلا أحد يريد أن يكون الأردن سوريا أو العراق أو اليمن أو ليبيا لا سمح الله ، و من أجل ذلك فإن المسئولية الوطنية تقتضي منا أن لا نخوض معارك غيرنا و أن لا نفسح المجال أمام أي كان ليتسلل إلى البقعة الوحيدة الآمنة في منطقتنا العربية المنكوبة.
هذا وطننا و حاضرنا و مستقبل أبنائنا و أحفادنا و نحن جميعا في هذا المركب ولن يكون من المفيد لأحد أن يعبث به ، لم تكن الحكومة هي التي قتلت و لا هي التي انحازت و لا هي التي تسببت في ضياع ناهض ، إنه القدر حينما يحكم الآجل و بعيدا عن كثير من التأويلات و التفسيرات التي يمكن أن تؤلمنا جميعا إن دخلنا فيها.
نسأل الله أن يحمي الأردن ، و أن نبقى جميعا أسرة واحدة و أن يبقى المركب سائرا إلى بر الأمان إن شاء الله ، و الوطن غال فديروا بالكو عليه " .