جريمة اغتيال الكاتب الأردني ناهض حتّر هي جريمة مركبة، من حيث التوقيت والأسلوب والمكان .. والعلّة، ويبدو أن التحريض وخطاب الكراهية المحمول على شبكات التواصل الاجتماعي سبباً في ذلك.
وعلينا الاعتراف اليوم قبل كلّ شيء بأن مجتمعنا الأردني، بمختلف ثقافاته وتياراته ومنابته وأصوله، هو مجتمع مأهول بالأمراض الفكرية والاجتماعية، ومن يخالف ذلك إنما يضع رأسه في الرمال.
إذاً .. كيف نفسّر كلّ هذا التأكيد على موضوعات مثل "الوحدة الوطنية" و"الأصول والمنابت" و"التعايش الديني" كلّما دقّ الكوز في الجرّة ! إنها "ميكانيزمات" دفاع تلقائية لما نعرف بأنه متأصل في الثقافة الجمعية للأردنيين، حيث لم ينجح التعليم ولا الإعلام في التصدي لها.
المتديّن يتهم الآخر، والمتحرر يجرب الدفاع عن تحرره بالإيقاع بكل فكرة أو سلوك أو مظهر ديني .. وهكذا إلا أن رضخت حتّى الحكومة إلى سلسلة لا متناهية من الآراء والتعليقات تسببت مؤخراً في "اعتقال" و"توقيف" كل من ناهض حتّر وأمجد قورشة وآخرين.
نعم، رضخت الحكومة ارضاءً لما بات يُعرف اليوم بـ "النشطاء" الذين صنعت منهم الشهرة المزيفة على شبكات التواصل الاجتماعي نجوماً دون اعتبارات موضوعية لذلك، في وقت فشلت فيه "الدولة" في إدارة رسائلها ومؤسساتها الإعلامية.
كلّ تغيير أو إصلاح يحتاج إلى "أرادة سياسية"، ابتداء من الواسطة والمحسوبية التي باتت أساساً لكلّ "الحسابات" في العقل الجمعي للأردنيين، مروراً بالتصدي لمظاهر إطلاق الأعيرة النارية وإغلاق الشوارع في المناسبات، وليس انتهاء باسترضاء أصحاب النفوذ بمستوياته المختلفة.
هنا لا بدّ من التذكير بأن مناقشة أفكار مثل الإصلاح أو التغيير قد تجابه من أولئك الذين يفكرون في "الثمن" أو "النتيجة"، وفي كلتا الحالتين علينا أن لا نسمح لهم بذلك .. إذ أن تحقيق الأهداف يحتاج دائما إلى "إرادة" ونوايا نظيفة.
لطالما قلنا إن الإعلام هو خاصرة هذه البلاد .. كنّا وما نزال نخشى أن نؤتى من هذه الخاصرة.
أصدقائي، لدي كلّ الأسباب التي تدعوني للالتفات إلى شيء آخر، إلّا أن "الجرح في الكفّ"، والعيون معلّقة بأهداب هذا الوطن الحبيب.