مجددا ظهر الملك عبدالله الثاني مدافعا عن قيم الإسلام الرائعة، لقد وضع كلماته في آذان قادة العالم وخصوصا العالم الغربي المتحكم بمصائر الأمم وبلغتهم الفصيحة وشرح بلغة محفزة وجهة نظر العالم الاسلامي الحقيقية تجاه القضايا الإنسانية، ورؤيتنا جميعا لفواحش وجرائم الخوارج ممن تلبسّوا عباءة الخلافة الفضفاضة، ونصّبوا أنفسهم قضاة على قلوب البشر، وفي المقابل وضع حدا لكل ذلك الهراء الذي ملأ عقول المسؤولين في الغرب الأمريكي والأوروبي المعبأ من قبل الرأي العام وأقطاب الإعلام غير الموضوعي الذي لا يفرق بين طبيب مسلم يعالج الأطفال في مستشفى بنيوورك وبين معتوه جاهل يزحف في صحراء سوريا، لا يحفظ شيئا من الأحاديث الأربعين،أو يسمع بوثيقة المدينة التي كانت دستورالسلام للمدينة المنورة الفاضلةعلى يد النبي عليه الصلاة السلام.
الملك على منصة الجمعية العمومية للأمم المتحدة ظهر كالعملاق الذي يريد ان ينقذ العالم من ذلك الوحش الفكري المعولم الذي يفتك بالأبرياء ويحطم كل تعاليم السلام الذي جاءت به الرسل من قبل وانطلق به الأنبياء من عهد إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام، حيث مختطفو التعاليم الجهادية الذين شوهوا صورة المقاومة الوطنية وبشّعوا منهج الدعوة لله، ولطخوا صورة العرب والمسلمين بدماء الأبرياء من جميع الجنسيات، ولكن للأسف العالم يبدو أنه عاجز عن إنقاذ نفسه، فهو بات مستسلما للمفاجآت، ومتراجعا عن قيم العدالة والتسامح الديني والسياسي، عندما لايريد المسؤولون الغربيون ومؤسساتتهم فهم الإسلام الحقيقي.
الملك لا يملك سفينة نوح لينقذ المؤمنين، ولكنه يقود قاربا صغيرا يجدّف به بالفكر والمنطق وسط محيط الكراهية الكبير محاولا إنقاذ هذا العالم من تعاسته وجرائمه ومستقبله الذي بات المجانين وفاقدي الأهلية في الغرب والشرق يتحكمون بمصائر البشر جميعا ، ويستنزفون ثروات لو أنفقت على التنمية البشرية والإقتصادية لما مات كل أولئك الجياع في أصقاع هذه الارض ، ولما تنافس الناس وتحاسدوا، ولما تعرض المسلمون لكل تلك الويلات لو كلفت الدول نفسها بإصدار قوانين الحريات الدينية والسياسية.
لأول مرة يجد المرء نفسه متذوقا لخطاب دسم سهل ممتنع مباشر يبتلعه المتلقي دون غثاء، حيث وضع الدول الغربية خصوصا أمام مسؤولياتها تجاه تمكين الشباب المسلم والعربي للإندماج فعليا في الممجتمعات الغربية دون نظرة الريبة والخوف والتعامل الحذر والمراقبة الأمنية والمجتمعية، حينما نص على أن «للمسلمين، الذين يشكلون ربع سكان العالم ويتواجدون كمواطنين في كل دوله، دور محوري في صياغة مستقبل عالمنا،فكل مسلم ومسلمة يسهم في رفد العالم بتراث غني من المسؤولية المدنية والعدالة والعطاء والحياة الأسرية والإيمان بالله، وعندما يتم إقصاء المسلمين وحرمانهم من المساهمة وأداء دورهم بسبب التحيّز ضدهم أو الجهل بحقيقة الإسلام... فإن الخطر سيحدق بمستقبل مجتمعاتنا كلها.
من هذا الفهم الصحيح الذي نعرفه جيدا لحقيقة الدعوة الإسلامية ومذهب أهل السنّة الذي ينبذ التطرف والكراهية ويؤمن بالغير وخصوصياته، نبني فهمنا للتطور المتسارع للأجيال، واستيعابهم لمعنى الدين ومعنى الحياة، فالحياة تتبدل ولكن الإسلام والقرآن لا يتبدلان فهما يسيران مع الحياة الحديثة في خطين متوازيين يدعمان التطوير والتحديث، وهذا يعيدنا للتخبط المتبع في إلغاء النصوص القرآنية من المناهج، فإن لم يجد التلاميذ ما يقرأوه عن ومن تاريخهم الإسلامي، سيجدونه خارج المنهاج عبر تفاسير اجتهادية لا تستطيع الحكومات التحكم بها، فالآيات القرآنية يجب أن تبقى ليفهمها الصغار، لأنها كلام الخالق عز وجل، حتى لا يستغلهم المخلوق بأفكاره الذميمة، ودسهم المحرض الذي سيشعل فتيل الجدل الذي يؤدي الى الصراع.
ولأن قضيتنا الأصلية كانت ولا تزال هي حماية المقدسات الدينية في فلسطين وتاجها المسجد الأقصى، فنحن نقف إجلالا لما جاء في الخطاب الملكي الذي حدد دون لبس أن المسؤولية تجاه الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس لا يمكن التخلي عنها تحت أي ظرف، ودون السماح بأي إعتداء على المسجد الشريف أو أي إرث مسيحي هناك أو تقسيم زماني ومكاني، لأن مليارا ونصف مسلم ومسيحيي العالم العربي أيضا يقفون الى صف الملك في تصديه للمحاولات المتطرفة والبائسة للجماعات الصهيونية ضد مقدساتنا هناك، ومع هذا لا يمكن أن نكون أقوياء وفاعلين على الساحة إن لم نمتلك الوعي الكافي والنقاء الفكري في صراعنا الأيديولوجي والسياسي مع أعداءالإسلام والسلام. الرأي
Royal430@hotmail.com