الغزل الإسرائيلي للسعودية بديل عن القبول بالمبادرة
عريب الرنتاوي
03-04-2007 03:00 AM
تكثر الشخصيات الإسرائيلية ، أولمرت بالتحديد ، من تصريحاتها المثمنة لمواقف المملكة العربية السعودية ، والإشادات بالدور القيادي المتميز لخادم الحرمين لا تتوقف على ألسنة المسؤولين الإسرائيليين ، بل وترسل تل أبيب الإشارة تلو الأخرى عن استعدادها للذهاب "إلى أي مكان" للقاء القادة العرب المعتدلين ، ويختار رئيس الحكومة أولمرت أساليب طفولية لجذب انتباه قادة المملكة وحثهم على الإسراع في توجيه الدعوة له لزيارة الرياض ، من نوع ما قاله للتايمز: سيذهل العاهل السعودي بما سأهمسه له في أذنه حين ألتقيه؟،
والحقيقة أن إسرائيل تريد بحملة "العلاقات العامة" التي تثيرها حول قمة الرياض ومبادرة السلام العربية ، أن تتفادى تحديد مواقف واضحة وملزمة من بنود هذه المبادرة ومحتوياتها ، فهي اكتفت ابتداء برفض البند الخاص باللاجئين الفلسطينيين ، وألمحت إلى تحفظات أخرى على بنود أخرى ، ودعت إلى تبديل أولويات عملية السلام ، ليأتي التطبيع أولا ، ثم انتقلت بعد ذلك لإدارة أوسع حملة "تزلف وتمجيد" للمعتدلين العرب ، لكأنها بذلك تريد استدارجهم إلى علاقات سلام طبيعية من دون التورط بأي التزام من أي نوع ، بمضون المبادرة العربية واستهدافاتها.
على أن هذا التكتيك وإن كان يمكن له أن يداعب مشاعر البعض ويرضي غرور البعض الآخر من القادة العرب ، إلا أنه تكتيك مأزوم بالضرورة ، ولن يفضي إلى أي مكان ، ولن تترتب عليه أية نتائج ، فمن من القادة العرب بمقدوره أن يذهب بعيدا في التجاوب مع حملة "العلاقات العامة" الإسرائيلية فيما إسرائيل تواصل تسمين المستوطنات ، وتستكمل عمليات تهويد القدس وبناء جدار الفصل العنصري ، وتخوض يوميا حروبها الصغيرة والدامية في مختلف القرى والبلدات الفلسطينية المحتلة.. من من هؤلاء بمقدوره الذهاب بعيدا في حملة المجاملات مع قادة تل أبيب التي ما زالت تصنف الحكومة الفلسطينية ، حكومة اتفاق مكة ، بالإرهابية ، وتفرض حصارا جائرا على الشعب الفلسطيني ، وتعطل إجراءات فتح المعابر ، وتجعل حركة الفلسطينيين وحراكهم أقرب ما تكون إلى الكابوس اليومي.
ثمة في إسرائيل من يعتقد ، بأن المبادرة العربية ليست في وافع الحال سوى مدخل للتفاوض ، أو بالأحرى "عرض عربي أول" تتلوه عروض أخرى وتنازلات إضافية ، ولهذا ثمة كتلة واسعة من صناع الرأي والقرار في إسرائيل تتحدث عن فرصة للسلام لا يجب تفويتها ، بل وتحذر من خطورة اندلاع حرب جديدة إن لم تمد تل أبيب يدها لليد العربية الممدودة للسلام.
والحقيقة أن هذا التيار يتغذى بمواقف بعض العرب ، التي نظرت للمبادرة "كعرض أول" ومدخل للتفاوض ، كما أن هذا التيار يتسع بفعل الإشارات العربية المتكررة عن "تفعيل المبادرة وشرحها وآليات تنفيذها" ، الأمر الذي يعني أن إسرائيل ستسعى إلى مقاربة "انتقائية" مع بنود المبادرة ، تأخذ منها ما يفيد أمنها القومي ، وتلقي بالبقية في سلة المهملات. وما يهم إسرائيل في المبادرة ، هو الخلاص من الديموغرافيا الفلسطينية ، بسد الأبواب والنوافذ في وجه "حق العودة أولا" ، وإتمام عمليات الانفصال عن السكان بعد قضم أوسع مساحة من الأرض في الضفة الغربية والقدس ، لتكون النتيجة دولة فلسطينية غير قابلة للحياة ، يتعين عليها البحث عن شرايين أخرى للتغذية من مصادر عربية أخرى ، ولهذا يبدو الغزل الإسرائيلي للسعودية أمرا مفيدا ومتطلبا ضروريا من وجهة النظر الإسرائيلية في هذه المرحلة على الأقل ، فإن جاءت النتيجة على مقاس المصالح الإسرائيلية كان الأمر جيدا ، وإن انتهينا إلى تبديد المزيد من الوقت ، فهذا أمر جيد أيضا ويخدم خطط التجميع والانطواء التي لم تطو بعد.