لا أظن أن عمر العبداللات تخيل في أي من مئات المرات التي أشعل فيها حب السلطيين لبلدهم وهم يرددون معه أغنيته التي أصبحت على قائمة كل أغاني الاعراس والاحتفالات التي تقام في السلط أو جوارها. فالكلمات التي تصف كل معالم وجغرافيا المدينة وينابيعها وجبالها وتختزل المكان وامتداده في بضعة جمل غنائية يؤديها عمر على ألحان راقصة لا يتمالك الحضور إلا أن ينهض ويشارك في حلقات الدبكة التي تنتظم بعفوية مع انطلاق أول نغمات اللحن.
الصغار والكبار والرجال والنساء السلطيون وغير السلطيين يرددون بعفوية وحماس واعتزاز الكلمات التي تعبّر عن تعلق السلطيين بديرتهم، فتأخذك الكلمات وأنت تسمعها في رحلة إلى المدينة الجميلة مع وصف للإحساس الذي يتولد في نفس المتوجه اليها وتأكيد على حرص الجميع على زيارتها مرارا وتكرارا لا يثنيهم التعب ولا الملل من تجدد رحلة المشي لها فهم مستعدون للسير على اليدين اذا ما تعبت الرجلان.
اليوم تنظر طريق السلط بعتب وحرقة وربما بغضب لكل الذين نسوا أنهم غنوا للسلط وطريقها واستذكروا متعة ولهفة التعجل للقائها وهم يتغنون بمحبتها التي وحدتهم فنسوا من منهم من الحارة ومن من الواد ومن من الساحة ومن نقب الدبور أو السلالم، فكلهم لا يذكرون إلا أنهم "سلطية".
عتب طريق السلط على الشباب الذين أضرموا النيران في أشجار طريقها ونخل عزتها وهم يعبرون عن غضبهم من ما كشفت عنه الصناديق التي انتظروها بلهفة ليحتفلوا فجاءت النتائج على غير ما ظنوا.
طريق السلط ليست المسؤولة عن أحكام الصناديق التي طالما دعانا النواب والوعاظ للاحتكام لها. والاعتراض حق منحه القانون لكل من لا تتولد لديه القناعة بمنطقية النتائج أو من يشتبه بوقوع خلل في العملية التي تتم تحت سمع وبصر آلاف المراقبين والكاميرات.. فالطريق هي طريقنا إلى إحدى أحب المدن إلى قلوب الأردنيين سلكها كل الذين قصدوا دفء ومحبة وجود أهلها، وهي الطريق الى مدرسة الأردن الأولى والبلدة التي أهدت للأردن الأرض التي أنشئت عليها عاصمته.
ظاهرة الاعتداء على الأملاك والمرافق العامة التي تتفجر كلما جرت الرياح بما لا تشتهي السفن، أصبحت ملحوظة يقوم بها البعض تحت مبررات ودوافع وأعذار غير مبررة، البعض يظنها وسيلة للضغط وآخرون يستخدمونها للابتزاز السياسي وعرض العضلات لجمهورهم المحلي والخارجي.
في كل أرجاء الدنيا يخسر المرشح مرة أو أكثر لكنه يتعامل مع الموقف حسب قواعد اللعبة الديمقراطية، فالخاسرون هم أوائل من يقدمون التهاني بالفوز لمنافسيهم ويظهرون تقديرهم للعبة التي أعطتهم شرف المنافسة والحديث للناس وإعلان البرنامج والإجابة عن أسئلتهم.
دخول السباق نحو القبة بعقلية " يا لعيب .. يا خريب" ينفي عن العملية ديمقراطيتها ويعيدنا إلى حالة ما قبل نشوء الدولة حيث تحاول القبائل الاستيلاء على كل ما تقع عليه أيديها دون أي اعتبار لحقوق غيرها في المشاركة.
في بلادنا استعداد هائل للتسامح والتقبل واحترام القانون لكن الغوغائية التي تجتاح فضاءنا تدفع البعض إلى القيام بأعمال تخريبية تتجاوز أثارها الأرصفة والأشجار والحرائق لتترك ندباتها على نفوسنا التي تشمئز من مظاهر العنف حولنا وتتطلع إلى بناء فضاء سياسي وطبيعي وثقافي آمن مريح.
سماع عبارة على طريق السلط لم يعد مرتبطا بأغنية عمر العبداللات وزهو أبناء السلط بالكلمات واللحن والمعاني بل أصبحت تستدعي صور الشباب الملثم الذي يحرق أشجار النخيل والزينة التي طالما أضفت على مداخل المدينة جمالا متّع انظارنا وذكّرنا بجمال المكان وأهله.
الغد