عندما يصبح المواطن رقماً لا غير
توجان فيصل
22-09-2016 01:16 PM
الحكومة الأردنية، وما تسمى الهيئة المستقلة للانتخابات ستعتبر أرقام المقترعين إنجازاً لها، وستفسر أية نسبة للمقترعين بما لا يقلل من شأن إنجازها ذاك. ومنذ البداية هي تقول أن مليون ناخب، أي ربع الناخبين، لن يتمكنوا من الاقتراع لأنهم مغتربون. أي أنها تشطب بداية 25% من الناخبين من حساب نسبتها تلك. والشطب بهذا العذر، إن صح الرقم ابتداء، غير دقيق، كون عدداً كبيراً من المغتربين يتواجدون في الأردن في مثل هذه الفترة. وغني عن القول أن الأردني المعوّل على هذه الانتخابات سيعمل على ترتيب إجازته بحيث يكون في الأردن هذا اليوم. ومن خبرتي في عدة انتخابات حين كان لدى المواطن بعض الأمل في تجاوز التزوير التاريخي، أن مغتربين كثراً عادوا تحديداً كي يقترعوا. والبعض، المغترب والمقيم على السواء، جهد فوق ذلك بتولي مهام صعبة بديلا عن زملائه كي يضمن تولي أحدهم مسؤولياته يوم الاقتراع. ولكن تراكم خيبة الظن جعل الناس تحجم عن الاقتراع كي لا تكون شاهد زور أو حتى "محلّلا".
ونسبة المقترعين التي ستجيرها الحكومة والهيئة لحسابها باعتبارها مؤشر ثقة في مجريات انتخاباتها، تتضمن أصوات قاصرين سمح لهم بالانتخاب .. وتتضمن من أتيح شراء أصواتهم حد الاعتراف بأنها ظاهرة يستحيل وقفها ..وأصوات "عشائرية" محسومة لغير ما إيمان بدور الحكومة والدولة، بل ولصالح سلطة كانت قائمة ما قبل الدولة ويفترض بعد ما يقارب القرن على قيام الدولة أن تكون قلصت ثقلها السياسي على الأقل .. وأصوات "معارضة" أعطيت لقلة ضئيلة من المرشحين الأكفاء الذين لم يمكن منعهم من الترشح.. وأخيراً وليس آخراً، أصوات الأموات! وهنا نتوقف عند ما أورده كاتب من مدينة معان.
الكاتب يسرد كيف دخل على الموقع الرسمي المتاح لمعرفة رقم ومكان الصندوق الذي سيقترع فيه. وخطر له أن يتصفح بعض أسماء المقترعين في محافظة معان، واستوقفه عند فتح الصندوق رقم 54 للإناث، اسم أمّه "شمسة"، كونه غير شائع، واسمها الرباعي وارد صحيحاً. وأمه متوفاة منذ أربعين عاماً ولم تشارك طوال حياتها في أية انتخابات نيابية. وفي ذات الصندوق وجد العديد من النساء اللواتي عرفهن في بواكير طفولته المتوفيات جميعهن منذ عقود.. وصولا لامرأة باكستانية اسمها "غلام" وارد سليماً كاملا أيضاً، مع أن الاسم الشائع الذي كان أطلق على تلك المرأة هو "سورية". والمرأة الباكستانية، التي تتحدث بلهجة ركيكة تؤنث المذكر وتذكر المؤنث، كانت تعمل بائعة متجولة على البيوت. ويقول الكاتب أن قائمة الناخبات المتوفيات تطول، ويذكر منها أسماء غريبة لعمات وجارات محبّبات لديه منها "غندورة" و"غزوة"..
هؤلاء النسوة، وغيرهن من الذكور حتماً، سيقترعون جميعهم، وإلا لما جرت المجازفة بإدراج أسمائهن في دوائر انتخابية يسهل فيها تبين من يقطنها، كالمدن النائية والقرى! والمفروض أن قوائم الناخبين جرى تفريغها من جداول دائرة الأحوال المدنية، والمفروض أن تلك الجداول حديثة بحداثة الدائرة التي أخضعت السكان لتنقيح شديد منذ تأسيسها لأسباب سياسية.. بل وجرى إحصاء سكاني في أواخر تسعينيات القرن الماضي انتقد لتدقيقه في الأصول والمنابت حد السؤال عن مسقط رأس الأب والأم، دونما سؤال بالمقابل عمن يعمل ومن هو عاطل عن العمل.. فكيف جرى تناسي مسقط رأس "غلام"، بل ومدفنها؟ّ!
وهذه الجداول جرى عرضها قبل أشهر، وأعلن أنه يحق لأي مواطن أن يطعن في أي اسم وارد من غير من يحق لهم الانتخاب في كل دائرة، وذلك لكون نقل الأصوات هو أحد أهم أشكال التزوير التي كان يمهد بها لفوز مرشحين بعينهم. وبالفعل جرى اعتراض على أسماء بعض المقترعين، لكن في هذه الحالة لم يعترض أي مواطن ولا حتى مرشح في معان على تلك الأسماء اللافتة جداً في عصرنا هذا.. فمن هم الموعودون بأصوات شمسة وغندورة وغزة وغلام (وبقية أسماء حرف "غ" وما يليه من أحرف)، أم أن الكل موعود ببعض هذا؟؟ أم هل تمت إضافة هؤلاء لاحقاً بعد عرض القوائم الأخير؟؟ كلها أسئلة مشروعة.
ولكن السؤال الأكثر أهمية هو ما تحويه قوائم الناخبين في المدن الكبرى، بالقياس على هذا. فلتلك المدن أهمية سياسية بدرجة أن يقال أن الانتخابات الجارية هي تحديداً تهيئة لمشهد سياسي، وليس حتى لمعالجة الهم الاقتصادي وفي مقدمته البطالة. والمدن الكبرى (عمان والزرقاء وإربد) سكان دوائرها قد لا يعرف فيها الجار اسم جاره منذ سنوات. وذات تقسيماتها لدوائر خضعت مراراً لتغييرات ناهيك عن الهجرات لها من مختلف أنحاء المملكة نتيجة البطالة المستفحلة .. فكم غزوة وغلام يمكن أن يزعم أنها هاجرت لتلك المدن دون أن تترك مكان إقامتها، أم هل نقول، دون أن تغادر قبرها؟؟!!
الراية القطرية.