حسنا فعل رئيس مجلس النواب الاردني المهندس عبد الهادي المجالي عندما انسحب والوفد البرلماني الاردني المرافق له من جلسة افتتاح البرلمان العربي الانتقالي الذي اجتمع مطلع الاسبوع الحالي في القاهرة ورفضه ترؤس الجلسة باعتباره رئيسا للسن. موقف الوفد الاردني جاء احتجاجا على رفض النائب الكويتي محمد جاسم الصقر الذي يتولى رئاسة البرلمان العربي, عرض اقتراح تقدم به رئيس الوفد الاردني المجالي يقضي بتأجيل اجراء الانتخابات الرئاسية للبرلمان العربي لأن موعدها لم يحن ولم تعلم الوفود بوجود هذا البند على جدول الاعمال بالاضافة الى ضرورة تشكيل لجنة عربية لتقييم تجربة البرلمان العربي خلال دورته الاولى ويصار بعد ذلك الى اجراء الانتخابات التي لا يزال هناك مائة يوم على موعدها النظامي.
قيمة هذا الانسحاب الجزئي (عاد الوفد وتابع اعمال الاجتماع) ورفض ترؤس الجلسة, انه جاء من شخصية برلمانية عربية رصينة لها احترامها ووزنها ويحظى بشبكة واسعة من العلاقات البرلمانية العربية والدولية وكان بالامس القريب رئيس الاتحاد البرلماني العربي وتربطه برئيس مجلس الامة الكويتي علاقات مميزة.
اقتراح المجالي بتقييم تجربة البرلمان العربي الانتقالي, لم يأتِ من فراغ, فهو امتداد لموقف برلماني اردني, سجل عندما تشكل البرلمان العربي الانتقالي بقرار من القمة العربية التي انعقدت في الجزائر قبل ثلاثة اعوام تقريبا.
والبرلمان العربي الانتقالي هو مؤسسة تتمثل فيها البرلمانات العربية بالتساوي (4 أعضاء عن كل دولة) ويتم تسميتهم من برلماناتهم وتتبع هذه المؤسسة "البرلمانية" الى جامعة الدول العربية.
البرلمان الاردني سجل منذ اجتماع التأسيس وجهة نظر قيمة, تدعو الى ان يرتبط البرلمان العربي بمؤسسة القمة ويقدم تقاريره لها بدل ارتباطه بجامعة الدول العربية وتقديم تقاريره لها؛ وذلك لإعلاء شأن الفكرة والدفع بها للسير في خطى برلمان الاتحاد الاوروبي الذي انتقلت عضويته من التعيين الى الانتخاب المباشر من قبل شعوب دول الاتحاد الاوروبي, وللحفاظ ايضا على استقلالية القرار البرلماني العربي باعتباره ممثلا للشعوب العربية وليس ممثلا لموظفين او لوزارات او دوائر رسمية عربية.
وانسجاما مع هذا الطرح طالب الوفد الاردني بأن تكون رئاسة الاتحاد البرلماني العربي لرئيس احدى البرلمانات العربية واقترح المجالي حينئذ السيد جاسم الخرافي رئيس مجلس الامة الكويتي كرئيس للبرلمان العربي, حتى لا يفسر الاقتراح الاردني وكأنه ضد ترشيح كويتي للرئاسة.
هذا الاقتراح الاردني الذي يحمل رؤية مستقبلية وحدوية متطورة, اغضب السيد عمرو موسى والنائب الكويتي محمد جاسم الصقر الذي كان يطبخ من خلف الكواليس توليه منصب رئاسة البرلمان العربي, واعتبر موسى والصقر أن الاقتراح الاردني يعمل ضد مصالحهما الخاصة, فتشكل بينهما "تحالف مصالح" قاد الى تجاهل اقتراح الوفد الاردني بتأجيل الانتخابات وتقييم التجربة, ولم يعرض الاقتراح على التصويت مخالفين بذلك مرة اخرى الانظمة المعمول بها في البرلمان العربي.
لم يخفِ الصقر حنقه وخصومته الدائمة مع الاردن والوفود الاردنية, فأصدر بيانا "سياسيا" صلفا اتهم فيه رئيس مجلس نوابنا بأنه صدامي, مطالبا الحكومة الكويتية بمقاطعته.
لاحظوا كيف تحول خلاف "إجرائي" في مؤسسة عربية الى خلاف كويتي- اردني, وعزف على وتر متهالك بات يعزف لحنا نشازا في دولة الكويت الشقيقة. وتر التحريض الرخيص ونبش الماضي بهدف الاساءة للاردن والبرلمان الاردني.
وبالمناسبة, أستذكر سلوك النائب المحترم محمد جاسم الصقر رئيس البرلمان العربي الانتقالي عندما زار وفد برلماني اردني رفيع المستوى دولة الكويت الشقيقة مطلع عام 2007 برئاسة المجالي وبمشاركة الروابدة وممثلين عن كل التيارات والكتل البرلمانية بما في ذلك الاسلاميون، وكنت عضوا في هذا الوفد الذي استقبل بحفاوة بالغة من امير البلاد وولي عهده ورئيس الوزراء بالاضافة الى رئاسة مجلس الامة الكويتي وتيارات المجلس كافة.
النائب المحترم محمد جاسم الصقر, رئيس البرلمان العربي لم يكلف نفسه عناء حضور دعوة واحدة من الدعوات الكثيرة التي اقيمت على شرف الوفد الاردني بما في ذلك الدعوة الرسمية التي اقامها رئيس مجلس الامة الكويتي وكذلك دعوة السفير الاردني في الكويت.
وفي المباحثات البرلمانية الثنائية بين البرلمان الاردني والكويتي, حضر الصقر متأخرا عن موعد اللقاء بأكثر من ربع ساعة وغادر الاجتماع بعد خمس دقائق ولم يفتح فمه بكلمة واحدة ودخل الاجتماع وغادره من دون ان يصافح احدا من اعضاء الوفد الاردني ولم يصافح ايا من اعضاء الوفد طيلة وجوده في الكويت.
اي عقلية "وحدوية" و "ديمقراطية" و "برلمانية" هذه?!! هل هذه العقلية المغلقة العصبوية مهيأة لتقود مؤسسة برلمانية عربية تطمح بأن تمثل الشعوب العربية, كل الشعوب العربية بما في ذلك الشعب الاردني.
كان الاجدى برئيس البرلمان "العربي" ان يكون على رأس مستقبلي ومودعي الوفد العربي الضيف, وكان يتوجب عليه ان يقيم حفل استقبال عربيا خاصا على شرف الوفد الاردني لا ان يغيب عن الانظار, ويغلق الباب على نفسه طيلة وجود الوفد البرلماني العربي الاردني الضيف.
لنعد الى البرلمان العربي الانتقالي العتيد الذي يرأسه النائب الكويتي المحترم محمد جاسم الصقر وجددت له الرئاسة بطريقة التحايل وبوس اللحى والهدايا والعطايا التي يشتهر بها الاداء البرلماني للنائب المحترم.
فقد كان البرلمان العربي الانتقالي عبئا ماليا واداريا على العمل العربي المشترك وارهق موازنات البرلمانات العربية وهي تطير الوفود لاجتماعاته الرتيبة, وكنت اسمع اعضاء الوفد الاردني وهم يتذمرون من لا جدوى السفر وتكبيد المجلس مصاريف ونفقات بلا جدوى او قيمة.
لم يفلح البرلمان العربي في القيام ولو بخطوة واحدة باتجاه العمل للارتقاء بدور البرلمانات العربية في المشاركة والتأثير على قرارات القمم العربية والضغط من اجل الارتقاء بالعمل العربي المشترك.
جل نشاط البرلمان العربي كان مبادرات تلفزيونية لرئيسه لتحقيق مصالحة بين اللبنانيين واخرى بين الفلسطينيين (من كبر حجره ما ضرب).
نحن بحاجة الى مؤسسة برلمانية جادة تتبع للقمة العربية وتشكل جزءا منها, فالبرلمانيون العرب ليسوا موظفين ملحقين, بل سلطات تمثيلية مستقلة يجب ان تكون عصية على "الضم" والإلحاق.
...
كاتب وسياسي أردني
...
الغد.