اليوم يتوجه الأردنيون لصناديق الاقتراع لانتخاب أعضاء مجلس النواب، وهي انتخابات تجري للمرة الأولى وفق قانون انتخاب معقد قليلا، وقد يمر وقت طويل قبل أن يفك رموزه رجل الشارع العادي، وقد بدا أن ثمة مرشحين كثيرين يخشون من قصة «دفتر» الترشيح، من حيث كونه معقدا بعض الشيء، ويمكن أن يوقع الناخب العادي بشيء من الفوضى، إن لم يُحسن التعامل معه، وقد ينتخب قائمة أخرى غير التي يريدها، وقد ينتخب شخصا آخر داخل القائمة، غير الذي يريده، وهذه هي ضريبة «التطوير» والتجديد، ولا ندري إن كان ثمة سلبيات أخرى لهذا القانون، ستبدو لنا بعد اكتمال حلقة تطبيقه، أم لا، وعلى كل حال، فهو حظي يشكل عام برضى ليس بالقليل من قبل فئات الشعب وتكويناته السياسية، خاصة إذا ما قورن بقانون الصوت الواحد المجزوء سيء الذكر!
كما هناك حماس لدى كثيرين، للمشاركة والاقتراع، هناك فئات لا بأس بها ليس لديها أي دافع للذهاب للصندوق، وسيكون يوم الانتخاب يوم عطلة نموذجيا للاسترخاء والاستمتاع بجو الإجازة، خاصة وإن الأحوال الجوية تشجع كثيرا على الخروج، واستنشاق الهواء النقي في أحضان الطبيعة، قصة العزوف عن المشاركة، خاصة في الأوساط الشعبية التي لا توجه سياسيا لها، تحتاج لبحث معمق، خاصة في بلد يتمتع سكانه بمشهد يتمنى الحصول عليه عدد لا بأس به من بلدان العرب، لا يعرفون ما معنى الانتخاب، ولم يمارسوه في حياتهم قط، المتفائلون يقولون: شيء خير من لا شيء، والمتشائمون يقولون: إما كل شيء أو لا شيء، وثمة بين هؤلاء وأولئك من يعتقد أن فوق كل ذي علم عليم، وأن لعبة الصندوق برمتها لها سقف محدد، ومساحة الحركة المتاحة لا تتجاوز ما يمكن إنجازه بقانون بلديات، ولهذا يحمل هؤلاء وجهة نظر سوداوية تماما، كونهم يعتقدون أن فاعلية مجلس النواب منزوعة الدسم من حيث المبدأ، ويرد على هؤلاء وأولئك المتحمسون فيرون أن العمل عبادة، حتى ولو كانت المساحة المتاحة ما يكفي للشهيق والزفير، ومهما يكن من امر، وبغض النظر عن آراء كل صاحب رأي، فالمشهد برمته إن تم استثماره بشكل جيد يظل أفضل بمليون مرة من الحكم العرفي، وتسلط صاحب رأي واحد، هي الجهة الإدارية، ومجرد إفساح المجال لما يسمى «الدعاية الانتخابية» لتقول ما يدغدغ مشاعر المواطن، يوفر منصة لتوسيع حرية الرأي والتعدد، والتعبير، وهو شأن لا بأس به في ظل هيمنة غير مسبوقة للرأي الواحد في متابر العرب عموما!
مما يُحمد للشعب الأردني أننا حتى الآن لم نلحظ وقوع اي حوادث شغب حقيقية تحركها المنافسة بين المرشحين، ما خلا بعض الممارسات الخارجة عن القانون هنا وهناك، لكنها تظل في حدها الأدنى، ولم ينتج عنها إراقة قطرة دم واحدة، فيما نعلم، وهو أمر نتمنى أن يبقى سائدا في بقية مراحل العملية الانتخابية، لتكتمل صورتنا التي نصبو إليها.
كلنا نريد انتخابات نظيفة، في كل مراحلها، فلتكن كذلك، ولا يعبثن أحد بمنجزنا الوطني، تحت أي ذريعة كانت، فالمنجز للجميع، والخسارة كذلك!
الدستور