لا نمو اقتصادي بدون نمو سياسي
حسام عايش
17-09-2016 11:34 AM
من متطلبات أي اداء اقتصادي ناجح وجود أهداف استراتيجية عابرة للحكومات، وفريق تنفيذي يملك الارادة والرؤية والقدرة على حمل تلك الاهداف لتأخذ مجراها على الارض، وفاعلية الجهة التي تملك أدوات الرقابة والتشريع التي تكفل ليس فقط تحقيق الأهداف؛ وإنما حسن التفيذ أيضا، وهذا يستدعي أن يكون التفكير في العملية الانتخابية أبعد من مجرد التباهي باليات إخراجها بل في الكيفية التي تساهم مخرجاتها بتطوير الحياة السياسية والاقتصادية ومن ثم الاجتماعية للناس، بحيث تحدث نموا سياسيا مستداما بدونه لن يكون لدينا نموا اقتصاديا مستداما أيضا.
فالنمو الاقتصادي يحتاج لنمو سياسي يثري العملية الاقتصادية ويحتضنها، ويتوافق مع مخرجاتها، ويطور مدخلاتها، ويساهم بتفعيل الكامن من القوى التي ما زالت مستنكفة عن لعب دورها الاقتصادي، ويستثير بالتجديد والتطوير القوى الفاعلة المشاركة والمساهمة فيها، والانتخابات اهم مفاتيح ذلك، لما تحدثه من تجديد في النخب الحاكمة، وتوظيف للافكار الجديدة التي تحملها على مستوى طرق التفكير والابتكار في الوسائل والحلول.
والنمو الاقتصادي يتطلب ليس فقط بيئة تشريعية وقانونية وسياسية تفاعلية وإنما جهدا مشتركا بين جميع الاطراف؛ للدفع قدما نحو عملية اقتصادية تأخذ بالاعتبار قدرات وامكانيات البلد وتطلعات ابنائه، وتستفيد من مزاياه الجغرافية والسكانية، وتستجيب للمتغيرات بمرونة وسرعة ودقة، وهذا لن يتم بغير العودة للناس لانتخاب أفضل من يستطيع من بينهم القيام بكل ذلك علما وخبرة ورؤية وعلمية.
مما يرتقي بدور مجلس النواب من الرقابة والتشريع إلى لعب دور المستشار الشعبي للحكومة بطرح الافكار العملية البعيدة عن الهوى الشخصي ( وهذا مقتل اداء مجالس النواب)، وللنجاح في هذه المهام يحتاج الأمر لأن يكون أعضاء المجلس أكثر انفتاحا على الكيفية التي يفكر فيها الناس، لتكون المصلحة العامة هي معيار الوطنية الاقتصادية لكل عضو فيه.
ولذلك فالمطلوب من الناس في هذه الانتخابات - رغم أنها إعادة لمن سبقها تحت اسم القوائم التي تؤدي لنفس النتائج السابقة تقريبا - التفكير بمستقبلهم الاقتصادي وبالاخص مشكلة البطالة؛ التي يرتفع معدلها رغم كل الهبات والمساعدات والديون وانفاق الحكومة ومؤسساتها المستقلة الذي تجاوز عشرة مليارات دينار سنويا، ناهيك عن المديونية التي ترتفع باسم العجز في موازنة الحكومة ومؤسساتها الذي لا يزيد عن 3 مليارات دينار؛ وبما يفوق الزيادة في معدل النمو الاقتصادي لتتجاوز حاجز 25 مليار دينار.
على الناس أن تعي أن مصلحتهم الاقتصادية (وسيبك من كل من يرفع شعارات تحرير القدس وفلسطين وغيرهما) تكمن في اختيار شخصيات لديها أفق اقتصادي مستقبلي، شخصيات لا تتاجر بفلسطين من أجل أن تراكم ثروات شخصية على حساب الاقتصاد الوطني؛ وهو اقتصاد لكل واحد منا، شخصيات تعي معنى مناقشة الموازنة العامة وليس الموازنة الخاصة، شخصيات تدرك أبعاد بقاء الهدر في النفقات مزرابا للعجز، شخصيات تقترح الحلول لا تطالب بالخدمات لزبائنها، فنحن ندفع ثمن العجز والمديونية ضرائب ورسوما وزيادات في أسعار الكهرباء والماء والمحروقات، وكلفا متصاعدة في نفقات التعليم والصحة، وتراجعا في الخدمات.
الاداء الاقتصادي لأي مجتمع هو صورة عن اداء سياسييه ومشريعيه ومثقفيه، وإذا كا ن هذا الاداء من شاكلة بعض من خبرنا وعشنا سابقا فبالتاكيد ستكون النتيجة على شاكلتهم اداء ونتيجة، وهي للأسف مخيبة للآمال فيما أظن.
المهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة.