اعتدنا على قراءة عبارة الكاتب في سطور على الصفحة الأخيرة من أي كتاب نختاره للقراءة، وتلك الصفحة توجز سيرة حياة ذلك الكاتب بالإضافة إلى إنجازاته العلمية أو الأدبية وكذلك العملية، وتأتي هذه السطور لتكمل للقارئ ما بقي ليعرف عن الكاتب الذي أمضى معه جليس يوم أو شهر أو أكثر، فتكتمل بذلك صورته لديه.
وأتابع مثل غيري يوماً بيوم باهتمام وحرص، ما يفعله ويصرح به المرشحون للانتخابات النيابية أو الرئاسية في دول العالم الواعي، بغية التعرف على توجهات أولئك المرشحين وليس من قبيل التسلية، فما ينطق به أولئك هم محاسبون عليه أمام ناخبيهم بعد فوزهم بأصواتهم، وكم سمعنا عن مواجهات وتهديدات بإقالة مسؤول هنا أن نائب هناك تراجع عن تصريحاته، أو حرم فرصة إعادة انتخابه لعدم مصداقيته ووفائه بوعوده التي كان قد صرح بها «قبل أن يك شيئا» في البرلمان أو في موقع المسؤولية.
ولا يكتفي المرشحون «لأي موقع» بشرح توجهاتهم للكافة بالتفصيل المطلوب حتى يعلم كل من سيصوت لهم مدى استفادته واستفادة المجتمع من وجوده كممثل له أو نائب عنه، ولا يكفون أيضاً عن مناقشة أفكارهم مع الإعلاميين والناخبين ليعرفوا ويعرَف عنهم ما يؤكد أهليتهم لما هم مقدمون عليه، بل يجاوزن ذلك لما يعرف بالمناظرات مع أمثالهم ولكن على الجهة المقابلة منهم «Opponents» أو الخصوم إن جاز التعبير، والهدف من تلك المناظرات هو:
إثبات الذات أولاً، بمعنى أن المرشح قادر على الوقوف ومواجهة معارضيه والتحدث إليهم بطلاقة وعقلانية وتوازن وصبر وسعة صدر وأن يكون هادئاً مهما برز له من تحديات في الطرح، فعدم الدخول في مناظرة أو الاعتذار عن مناظرة دعي لها مرشح تثبت عدة أمور منها: ضعف في شخصية المرشح، أو خلوه من فكر إبداعي معقول يطرحه، أو خوفه من مواجهة الخصوم بالدفاع أو النقد، أو جميع ما ذكر، وويل لمن كان ذاك هو مرشحه.
القدرة والتمكن عند الرد والإقناع وتبرير الأفكار بإسنادها لحقائق ما أمكن ثانياً، سلاحه في كل ذلك الحجة الدامغة إن وجد إلى ذلك سبيلا، أو إثبات عدم مناسبة فكر أو توجه الآخر لقضية ما إن لزم الأمر، لكي يعرِف الآخرون بما يُحدِق بهم من ضيم أو خطر أو ضياع وقت على الأقل فيما لو لم ينتخبوه أو حتى أنهم انتخبوا غيره، وأن المرشح واثق من أفكاره التي يطرحها لناخبيه وأنه على استعداد لإثبات نجاعتها وبأنها ليست أضغاث أفكار أو كلام فارغ.
الآن أتحدث عن تجربتي الشخصية الهادفة للوصول إلى المرشح الذي سيوصل صوتي وليس فقط صوته للبرلمان، وسيمثل فكري وليس فقط فكره، وسيحقق أهدافي وأهداف الوطن وليس فقط أهدافه إن هو صار نائباً عني وليس فقط عن نفسه، ذهبت لبعض المرشحين في مواقعهم «ولم أطلب أحد لمناظرة» فماذا وجدت:
وجدت أحدهم عندما سألته عن برنامجه الانتخابي يقول: «أي برنامج؟ هو صوتك والسلام»!
وآخر يرد: هو البرنامج «شو فائدته إذا بكره ما طلع بيدي شيء»!
وثالث يتساءل: أين تظن نفسك؟
وفي حالة لن أنساها، فعندما طلبت التحدث مع مرشح ما، فإنه لم يأت لمركزه الانتخابي في تلك الليلة بتاتاً.
خلاصة القول: نعم ديمقراطيتنا في مرحلة إزهارها وهي مبشرة بالخير، ولتثمر وتنضج وتلذ لا بد من رعايتها ودعمها بالفكر القيم والتطوير المدروس، والاستفادة من ما وصل إليه أداء الآخرين، وبالتالي على بعض مرشحينا (ولا أعمم) وكتلنا الانتخابية أن يتحدثوا عن برامجهم الانتخابية بالتفصيل، ولا يكون برنامجهم مختزلاً في شعار يقتصر على أربع كلمات، وكأنهم قصدوا بأن يكون لكل عام سيمضونه تحت القبة كلمة واحدة ، ثم عليهم أن ينتقلوا لمرحلة المناظرات ليميز كل ناخب الغث من السمين من بينهم، ثم علينا نحن الناخبين أن نطلب منهم فعل ذلك لو أنهم لم يقدموا عليه طوعاً، أو بالمقابل أن نُعرِض عن المتوارين عن ناخبيهم فالنائب لدي هو من يستطيع الإفصاح عن توجهاته على الأقل وليس الصامت من قبل ومن بعد؟!
الراي
muheilan@hotmail.com