ظريف و"الطريق" إلى "نيويورك تايمز"!
رجا طلب
16-09-2016 06:56 PM
قرأت مقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي نشر في صحيفة نيويورك تايمز الأربعاء الماضي، والمفاجأة أني لم أجد في ذلك المقال ما يستحق التوقف عنده. فمقالة لوزير خارجية دولة مارقة مثل إيران تقترب بسلوكها من سلوك كوريا الشمالية المنفلت وفي صحيفة أمريكية كبرى ومؤثرة تعد فرصة حقيقية لتقديم مبادرات سياسية، أو دعوات مصالحة كبرى، أو تقديم أفكار سياسية خلاقة أو الكشف عن حقائق صادمة ضد دول أو جهات بقصد تنوير العالم وإعلامه بما يجري بالسر.
المقال المشار إليه لم يكن أكثر من دعاية كاذبة ضد المملكة العربية السعودية وتوجيه اتهامات "معلبة" لها بدعم الإرهاب الذي عانت ومازالت تعاني منه المملكة تحت أنظار العالم كله وخاصة إرهاب القاعدة وداعش، عدا إرهاب الحرس الثوري الإيراني والتنظيمات التابعة له في لبنان والعراق واليمن .
المقال تميز بالانفعالية، والاتهامية، واستغباء الآخر للدرجة التي تؤكد ما سبق أن ذهبت إليه في مقالات سابقة بشان النظام في إيران من انه نظام منفصل تماماً عن الواقع ويعتقد أن "المهدي المنتظر" سيخرج قريبا وسوف (ينصره على القوم الظالمين وعلى كل من لا يتبع ملته) .
الملفت في أمر مقال ظريف انه هو المقال الثاني له في نيويورك تايمز خلال ثمانية شهور حيث كان المقال الأول في يناير من هذا العام والثاني في الرابع عشر من سبتمبر الجاري، وهو أمر يثير التساؤل عن سر العلاقة بين صحيفة كبرى مثل نيويورك تايمز والنظام في إيران، وكيف تم بناء مثل هذه العلاقة بين نظام من المفترض انه معاد لواشنطن وبين صحيفة أمريكية كبرى لا تحيد بالمطلق عن السياسات الإستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية؟
أما الأخطر في الأمر فكيف تستطيع صحيفة محسوبة بالدرجة الأولى على اللوبي الصهيوني في أمريكا من التوفيق بين ذلك اللوبي وبين نظام سياسي من المفترض انه معاد لإسرائيل ولأمريكا؟
يقول المفكر السياسي الاستراتيجي ستيفن والت في توصيف حالة صحيفة نيويورك تايمز في كتابه الإشكالي والمثير للجدل الصادر عام 2004 "اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية" أن هذه الصحيفة تأتي بعد صحيفة "وول ستريت جورنال" في التماهي مع توجهات اللوبي الإسرائيلي في أمريكا وبخاصة "الايباك". ويشير للتدليل على ذلك في كتابه إلى شهادة ماكس فرانكل الرئيس التنفيذي للصحيفة الذي يقول ما نصه: " ... بوحي من معرفتي بإسرائيل وصداقاتي هناك كتبت معظم تعليقاتي ومقالاتي حول شؤون الشرق الأوسط من وجهة نظر موالية لإسرائيل " انتهي الاقتباس
نعود للسؤال ومحاولة الإجابة كيف يمكن التوفيق بين الأضداد إيران وإسرائيل عبر نيويورك تايمز؟ وفي محاولة الإجابة اعتقد أن هناك توافقاً كبيراً ومنذ سنوات بين اللوبي الإسرائيلي في أمريكا وبين اللوبي الإيراني فيها، وأن هذا التوافق قائم على برنامج النقطة الواحدة وهو إضعاف العرب والمقصود هنا دول الخليج العربي ودول الاعتدال كالأردن والمغرب ومصر وذلك بعد أن هيمنت طهران على العراق وسوريا ولبنان وتسببت بحرب اليمن، فحالة الفوضى في تلك البلدان والضعف العام للحالة العربية بسبب الحروب الداخلية القائمة على أساس طائفي والتي ساهمت طهران بصورة فاضحة في إشعالها، تخدم بصورة أساسية إيران وبالتوازي معها إسرائيل.
لم تكن مصادفة على الإطلاق نشر مقالة جواد ظريف الطائفية والتحريضية في كبرى صحف أمريكا والعالم بالتزامن مع تصويت الكونغرس على مشروع ميتيح مقاضاة السعودية، فالمنطق يشير إلى أن هناك حملة منظمة في أمريكا ضد السعودية والعرب متورطة فيها شخصيات نافذة في الإدارة ولربما مع المخابرات الأمريكية بالإضافة إلى اللوبيين الإسرائيلي والإيراني في أمريكا من اجل "إثبات فرضية أن مصدر الإرهاب في العالم هو الإسلام السني" وهي قضية كانت فاقعة في مقالة "الظريف" وكانت أيضا فاقعة في تصريحات العديد من قادة اليمين الإسرائيلي.
لا أدري لماذا تتجاهل الدول العربية النشاط الملفت للوبي الإيراني في أمريكا والذي نجح إلى الآن في ثلاث قضايا مهمة:
أولاً: الاتفاق النووي بين ايران والدول الكبرى، وهو الاتفاق الذي صب في صالح إيران لامتلاك سلاح نووي بصورة شرعية وقانونية بعد عشر سنوات من الآن .
ثانياً: إنهاء حالة الحجر على الآراء السياسية الرسمية للنظام الإيراني في وسائل الإعلام وتحديداً مقالات الرأي في الصحف المؤثرة كالنيويورك تايمز .
ثالثاً: إطلاق يد هذا اللوبي في موضوع التمويل وتلقي الهبات والبدء بالتأثير على صناعة القرار في مجلس النواب والشيوخ "الكونغرس" الذي نجح في تمرير قانون محاسبة السعودية .
ويعتبر "تريتا بارسي" أحد أبرز المؤسسين للوبي الإيراني في أمريكا والذي يطلق عليه اختصاراً اسم "ناياك " أي المجلس الوطني الإيراني - الأمريكي. وهو إيراني الأصل ويحمل الجنسية السويدية انتقل إليها في 2001 وأسس وترأس NIAC، وأصبح ممثل اللوبي الإيراني، وعمل في البيت الأبيض وكان ذا تأثير كبير على قرارات الإدارات المتعاقبة في موضوع إسقاط نظام صدام حسين وبناء النظام الإيراني البديل في العراق والاهم والأخطر انه صديق لوزير الخارجية الإيراني جواد ظريف منذ أكثر عقد من ومازال.