موالون ومعارضون .. بين نارين!
عدنان الروسان
16-09-2016 12:01 PM
ليس ذاك النوع من الحلويات الذي يسمونه بين نارين، بل نوع آخر من المواقف طعمه كالعلقم ومذاقه من غسلين، ويشارك سميه من الأطعمة بأنه يجعل صاحبه متقلبا متلوعا بين نارين..
يصيب مجاميع كبيرة من الناس في مجتمعنا ابتداء من بعض المتلبسين بأثواب الهدي والدعوة إلى الله ومرورا بكتاب وصحفيين ومفكرين اصطفوا طوابير لتسجيل أسمائهم على بوابة الشيطان التي تزينت بأبهى صورها في هذا الزمان القبيح "بقبحنا" وانتهاء بمسؤولين؛ كبارا وصغارا، ما أن يجلسوا على أي كرسي حتى لو كان كرسي الحلاق الذي يقص شواربهم ويدعس عليها ثم يرحب ويهلي بهم على أنغام كلمة سيدي وتاج راسي وأنت "ما في منك" حتى يستخدموا كل عدة النصب والمنصب من تقطيب ما بين الحاجبين دلالة على التفكير العميق وعظم المسؤولية، والابتسامة الصفراء المتكلفة التي تدل على شفقة صاحبها على من حوله الذين لم يسعفهم الحظ بأن يكون لهم كرسي سوى كرسي القش في المقهى المجاور، وقبول الدعوات على الغداء والعشاء المستمرين ما استمر جلوسه على الكرسي، أما في اليوم التالي لاستلامه "شلوط الإقالة أو الاستقالة لا فرق " فلا دعوات ولا تقطيب الجبين وتعود أساريره للانفراج والتواضع ويعود مخلوقا بشريا مثلنا ينظر ويسب على الحكومة ويعود بعثيا ولينينا واسلاميا.
يكون اخوانيا أو اخونجيا سمه ما شئت حسب رؤيتك للحركة وموقفك بين مجاميع بين نارين، ثم فجأة يصبح وزيرا ومنظرا ومدافعا عن كل ما كان يشتمه قبل يومين، يكون بعثيا متمرسا ومنظما تنظيما سريا، يصبح وزيرا وبين نارين يتحمص ويصبح منظرا لليمين ومدافعا شرسا عن كل القوانين التي كان ينظر طوال عمره ضدها، يكون ماركسيا لينينيا يلقي الخطب في الجامعة، يصبح نائبا ثم وزيرا فإذا هو يميني رجعي متطرف وإذا بين نارين "لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر"، ربما هنا ستة عشر.
رحم الله سعد جمعة فإنه كان أعرف منا بالرجال والمجتمعات يقول بالنص في كتابه مجتمع الكراهية:
"مجتمع عفن مهتوك، قد امتطى غارب الأحداث فيه السفهاء والجهلة وغثاث المعرفة والسلوك، يلوكون شعارات مجلوبة، ويجترون عقائد منخوبة، يتراشقون تهماً ويتقاذفون شتائم، والحق غريب في وطنه، والشريف يتيم على موائد اللئام .. والقضية المقدسة في أيد نجسة في زمن قذر.. حتى ليكاد يشعر كل امرء أن كل شيء موقت، كل شيء إلى ضياع، كل شيء إلى فساد وانهيار!.
لسان حال القادر : انج سعد فقد هلك سعيد، ولسان حال الفاجر : "خلا لك الجو فبيضي واصفري". الفاسدون يلعنون سماء تظل مؤمنين.. واليائسون دائمو التحفز للرحيل .. ودّوا لو استطاعوا رفض الانتماء وتغيير الوطن والتراب.. "
إن شعور اللامنتمي الذي بات يسيطر على مجاميع المواطنين ويكاد يحولهم الى مستوطنين، يستشعرون بأن الفوضى والإضطراب أعمق من النظام، ويصير ايمانهم أن أسوأ الكوابيس هي أفضل من حاضرهم المعاش، ويبدو أن حالة الإحباط النفسي باتت هي النزعة المسيطرة وهي التي تدفع للعزوف عن المشاركة في الإنتخابات ولعن البرلمان والحكومة والحاضر والماضي والمستقبل، لقد نجحت مجاميع "بين نارين" من طوابير الراقصين على حبال السياسة التي توصل الى منصب بالتزلف والولاء الكاذب والتنظير السطحي، وجعلت دكاكين المنظرين أكثر من زوايا الفتاحين وكتبة الحجب وصار لكل عضو في مجاميع بين نارين منتدى او مجلس او ديوانية او بستان يلتقي فيه المنجمون فينظرون نظرة في النجوم ولا يعترف احد بأنه سقيم، ويدلي كل بدلوه، ويدعون جميعا انهم لا ينطقون عن هوى وأن معلوماتهم أكيدة ومصادرهم من فوق، ويستمر المكاء والتصدية في السياسة والتزلف حتى تكتمل صفوف المصلين في محاريب الوطن بدون وضوء، ويبقى الإمام مستمتعا بالإنبهار العظيم لأفواج بين نارين الذين يبكون في محاريب الهيام بالتحضر الغربي والنشوة بالسيطرة على فقراء الوطن يحمدون الله الذي لا يؤمنون به الا في ساعة عسرة انتخابية او لحظة تحليق أبوية بربتة من يد الإمام على كتف المصلي بين نارين.
إن إسقاطات الإحباط واليأس والعجز المتجلية في كل ردود أفعال الناس تجاه العملية السياسية والأداء الحكومي تؤشر الى ضرورة التصرف وبسرعة من قبل الحكومة قبل أن يصل المجتمع الى حالة اليأس التام والبدء بالمقارنة بين خياري الانتحار او الانتقام وهما خياران أحلاهما مر علقم، ويمكن رؤية نتائجهما فيما حولنا من جوار.