ليس صحيحا ما يعتقده البعض ان معسكر الاعتدال العربي يضم ثلاث دول عربية فقط هي مصر والسعودية والاردن ، اذ ان معسكر الاعتدال يضم غالبية الدول العربية حتى تلك التي تتبنى خطابا متشددا في الظاهر لكنها تفاوض وتتصل مع كل الاطراف دون ان تعلن ذلك ، على اساس ، السقف المرتفع والمتشدد في الخطاب السياسي ، والجلوس تحت مائدة التفاوض سرا.
على ما سبق يمكن الاستنتاج ببساطة ان لا محور سعوديا - اردنيا - مصريا ، وانما هي نواة لتنسيق عربي واسع بين كل الدول العربية ، حتى لا يأخذ المراقبون مأخذا على أي دولة من هذه الدولة بالقول ان هناك محورا ثلاثيا يحاول استقطاب بقية الدول العربية ، او مواجهة معسكر اخر ، اذ اين هو المعسكر الاخر حتى يتشكل محور اساسا لمواجهته.
القمة العربية التي عقدت في الرياض ، سبقتها لقاءات تمهيدية بين وزراء الخارجية العرب ، وقد قال وزير خارجيتنا بحضور السفير الاردني في الرياض امام مجموعة من الصحفيين وقبيل بدء اعمال القمة ان هناك تنسيقا اردنيا - مصريا - سعوديا يأتي كنواة لتنسيق عربي اشمل ، وان الاردن دوما مع التنسيق العربي الشامل والتشاور مع الدول العربية هو امر حيوي في السياسة الخارجية الاردنية ، وبلا شك ابدع وزير الخارجية في ادارة اللقاءات التمهيدية في القمة العربية ، حيث في كواليس القمة لم يكن الاردن طرفا خلافيا ولم يتسبب باي توترات ، ولم يقف في وجه أي مشروع عربي او توجه ، ولربما علينا ان نلاحظ ، ان الاردن لو كان جزءا من محور ويظن نفسه في معسكر بالمعنى الذي يروج له البعض في سياق مواجهات مع معسكر اخر لما كان دوره ايجابيا وطبيعيا وبناء ، مع كل الاطراف العربية ، بذات الدرجة من الانفتاح والتعامل مع كل دول المنطقة ايا كان خطابها المعلن او فعلها غير المعلن.
لا احد يعرف على وجه الخصوص لماذا تتسلط الاضواء فقط على الاردن في هكذا مناسبات ، فلو تبنى أي طرف عربي اخر ذات الخطاب الاردني الذي يقوم في الدرجة الاولى على حماية نفسه في الاقليم دون الاضرار بغيره ، لسمعنا من يتحدث عن حكمة هذه العاصمة او تلك ، في حين ان الاردن يحاط دوما بايماءات حول دور وظيفي له ، وحول تشكيله لمعسكر عربي يواجه معسكرا اخر ، او انه جزء من محور.
بالطبع لو كان الاردن كذلك لوجدنا بعض العواصم تخرج علينا بالصوت العالي والادلة على هذه القصص ، غير ان الاردن ولميزته الاساس ، أي الحفاظ على نفسه وسط اقليم يحترق ، فقد جلبت له هذه الميزة الغيرة والحسد من جانب دول عديدة ، تحاول تصغير هذا البلد واهله والايحاء بأنه سيبقى هامشيا مهما فعل ، والحقيقة انه لو كان هامشيا لتم ابتلاعه منذ زمن بعيد ، او لتم تسليم قراره الى عواصم الغضب الهادر ، التي تقول شيئا وتفعل شيئا اخر ، وعلى كثيرين ان يعرفوا ان الاردن ليس جزءا من أي معسكر وليس لديه عقدة المعسكرات ، وانما يمثل نفسه وقناعاته التي لم يحد عنها طوال عقود.