إذا ما تجولت في العاصمة أو أي من المدن الاردنية في غير مواعيد الانتخابات، فإن أكثر ما يلفت النظر التلوث البصري الذي خلفته الإعلانات العشوائية التي جرى تخطيطها باستخدام وسائل تخطيط بدائية مثل فرشاة الطلاء أو مواد الرش الملونة وغيرها من الوسائل التي تلفت النظر لا لجمالها بل لكونها تستفزّ الناظر وتبعث في النفس الكثير من الإحساس بالتجاوز على الفضاء العام الذي يتوقع الأهالي والمارّة أن يبقى أنيقا.
من بين عشرات الإعلانات لبيع الأراضي وتأجير الشقق والبيوت تظهر إعلانات الأسلاك الشائكة على جدران المدارس والمباني العامة وأسوار المؤسسات الحكومية وعلى مداخل الجسور والأنفاق وأحيانا على إشارات المرور التحذيرية والإرشادية بمختلف الأحجام والألوان وفي كل الأماكن بصورة تجعلك تتأفف وتشعر بغياب من يتولى الرقابة والضبط والحماية للفضاء العام.
عبارة "لتشييك مزارعكم" مضافا لها رقم الهاتف الخلوي للمعلن تغطي مساحات واسعة من الجدران والأسوار والواجهات في أحياء المدن وساحاتها العامة، لدرجة تجعلك تظن أن تشييك المزارع أصبحت سلعة أساسية مثل القهوة والشاي والحليب.
تزاحم المعلنين عن خدمات التشييك تدفع بعضهم لشطب إعلانات المنافسين بألوان جديدة وإعادة تدوين إعلاناتهم مكانها مضيفين إلى المشهد بشاعة تجعلك تظن أنك في منطقة تتنازع عليها الورش التي دخلت في حرب الاستحواذ على الجدران والأسوار التي لا يوجد من يدافع عن نظافتها وجمالها وحمايتها من التلوث.
في معظم الثقافات الانسانية تعتبر الأسلاك الشائكة أحد الرموز التي تعبّر عن الحجز والاعتقال وتقييد الحريات. بعض الجماعات تستخدم صورة عصفور خلف الأسلاك لإثارة الوعي العام وكسب التأييد للقضايا التي تطالب بالإفراج عن المعتقلين. وعبر تاريخ الإنسانية ظل العصفور يرمز إلى الحرية والأسلاك الشائكة ترمز للعوائق والحواجز والعقبات وظل ظهورهما معا يدلل على أوضاع تحتاج إلى تغيير.
حمّى الإعلان عن خدمات تشييك المزارع لا يعكس وجود نهضة زراعية ولا أي إقبال استثنائي على تملك المزارع بمقدار ما يعبر عن إهمال السلطات البلدية للفضاء العام والتقاعس عن القيام بإجراءات تحافظ على جمال المدن وحماية فضائها من تعديات المعلنين العشوائية.
إدارة المدن وفضائها بحاجة الى آليات ووسائل وكفاءات غير التي نعرفها فهي أكثر من مرور ورخص مهن ومجار وتنظيم ومسقفات. إدارة المدن تحتاج إلى خطط وتنظيم وإدارة تضمن للسكان الراحة وتوفر لهم الخدمة والحماية وترفد المساكن بالمرافق والتسهيلات وتحقق شروط السكينة والهدوء وتحدّ من التلوث وتحمي السكان من كافة أشكال التلوث مهما كانت مصادره.
التلوث البصري الذي تحدثه الإعلانات العشوائية التي يخطها أصحاب الورش الزراعية على واجهات شوارع المدن يعكس جهل المعلنين بأصول الإعلان وغياب رقابة السلطات وإهمال القائمين على إدارة المدن لمستلزمات تجميلها. وإلا فما معنى أن تصل إعلانات الأسلاك الشائكة إلى أسوار المدارس في أحياء عمان الغربية وعلى واجهات أسوار المطاعم السياحية وبوابات مواقف سيارات الدوائر الحكومية.
نتمنى أن لا تهمل إدارات المدن وهي تنفذ برنامج الإشراف على إزالة مظاهر الإعلانات الانتخابية ما تركته ورش تشييك المزارع والمكاتب العقارية من إعلانات عشوائية على أسوار وواجهات وأطراف ومداخل الشوارع والساحات والجسور لتبقى مدننا نظيفة خالية من التلوث؛ فجميع الإعلانات عليها أرقام هواتف فلتكن المكالمة القادمة للمعلنين من سلطة البلديات وليس من زبون عثر على الإعلان على واجهة الدوار.
الغد