مجلس السياسات الإقتصادية لا يعمل كجزيرة معزولة , هذا على الأقل ما دلت عليه التوصيات التي خرج بها وتقع في 38 توصية , حركت ملفات عالقة لا تحتاج الى قوانين ولا تشريعات ولا مخاضات فقط كل ما تطلبته هو إتخاذ القرار .

والأهم من ذلك أن كل السلطات ممثلة فيه , ولا أبالغ إن قلت أن القطاع الخاص والدور المناط به يكاد يرقى الى مرتبة سلطة فاعلة وإن لم تكن إعتبارية , وجود السلطات في المجلس تكسب التوصيات التي يخرج بها قوة التنفيذ وما سرعة تبنيها في مجلس الوزراء الا مؤشر على ذلك فهي رتبت وأشبعت بحثا ودراسة في إجتماعاته المكثفة بمشاركة رئيس الوزراء والوزراء لذلك فهي مرت بسلاسة عبر مجلس الوزراء ولم تفرض عليه كما قد يتبادر الى ذهن المتابعين .

مجلس السياسات سيكون حاضرا في المجلس التشريعي أيضا من خلال الحكومة كعضو فاعل فيه ومن خلال رؤساء اللجان الاقتصادية في مجلسي النواب والأعيان وهي لن تجد تفهما من النواب والأعيان فحسب بل هم شركاء في صياغة توصياته ومؤثرين فيها ما يجعلها في محل توافق .

كنا نرى أن المشكلة في ألية إتخاذ القرار والجرأة فيه , وليس المقصود هنا أن مرور القرارات يحتاج لأن تسقط من فوق , بل أن تطبخ ويجري حولها تفاعل وتوافق يجعل من إتخاذها عملية سريعة , خذ مثلا التوصيات التي خرج بها مجلس السياسات فنقاطها موجودة وهي في متناول الحكومة , لكن تفاوت وجهات النظر والحوارات التي إما أنها كانت تجري عن بعد أو تخضع لأمزجة أو لا يسعفها الوقت في إجتماعات تطول لكنها تطحن في الهواء , ها هي تنفذ عندما جلس الجميع في ركن بعيد عن صخب الإعلام والإستعراض .

أول الغيث كان في الدخول السريع الى بعض القضايا التي يمكن وصفها بالسهل الممتنع , وفي مقدمتها توفير نوافذ لتمويل المشاريع الصغيرة وتسهيل الوصول اليها وهو ما كانت ولا زالت تترفع عنه البنوك كممول تقليدي لها و ورأينا كيف دخل البنك المركزي بقوة وبشكل مباشر على البيئة الإستثمارية وعلى قطاع المشاريع الصغيرة الفردية أو الجماعية وقد وفرت تعديلات قانونية مهمة له مرونة للتعامل مع هذا القطاع التنموي الهام , فأصبح شريكا في الصندوق الأردني للريادة بحجم 100 مليون دينار نصفها منه ، ونصفها الآخر من البنك الدولي.

من التابوهات التي سجل فيها مجلس السياسات إختراقا كانت القضايا الاقتصادية في المحاكم , بين طول فترة التقاضي , وضعف الإختصاص , بحيث سيتم دفعها الى قضاة متخصصين، وتوزيعها وفق نظام أتمتة في المحاكم، وبما يسهل على المستثمرين ضمن إجراءات تسهم بتحسين البيئة الاستثمارية في المملكة، لكن الأهم هو التعجيل في إصدار قانون الإعسار المالي لتكتمل الحلقة .

ضريبة أقل تساوي عائدات أكبر , هذه المعادلة ستجد النور أخيرا , وستبدأ في الضريبة العامة على المبيعات التي قيد البحث فيها حسابات مالية لم تلقي بالا للحسابات الإقتصادية وحركة الاسواق فقد ترسخت القناعة بأن الإستثمار هو الهدف من كل منظومة الضرائب والتشريعات الإقتصادية , بإعتارها محفزا وقد آن الآوان أن تغادر مربع مفهوم الجباية وأن تصبح حافزا وليس عقوبة .

38 توصية , من المؤمل أن تكون سريعة الأثر على إقتصاد يحتاج الى عوامل محلية لتحفيزه , بمعزل عن الظروف الإقليمية المعاكسة , وهو خيار ممكن طالما أن الإرادة متوفرة .