عن وقفة عرفة والأضحى والوحدةياسر زعاتره
11-09-2016 12:01 AM
بدأت جماهير الأمة منذ فجر اليوم، يوم عرفة، مسلسل التكبير الذي ينتهي عصر رابع أيام التشريق، في مشاركة واقعية للحجيج في تكبيرهم وتلبيتهم هناك في المشاعر المقدسة. وفيما استقبل الكثيرون هذا اليوم صائمين عملا بسنة المصطفي عليه الصلاة والسلام، فإن الشعائر الأخرى من تكبير وتقديم للأضاحي خلال الأيام القادمة إنما هي تعبير عن أن الأمة كلها في رحلة حج واحدة إلى الله عز وجل، حج يؤكد كلمة التوحيد ويؤكد معنى الأمة الواحدة رغم واقع التشرذم الذي يحكمها ويمعن في تشتيت جهودها وبعثرة طاقاتها. إنها من أيام الله التي لا يحسّ بها غير المقبلين عليه، ومن خشعت قلوبهم لذكره ولما أنزل من الحق. أولئك الذين صدحت حناجرهم بالتكبير، وهوت أفئدتهم إلى مكة والبيت العتيق، في ذات الوقت الذي تهوي فيه قلوبهم إلى حيث جراح المسلمين في كل مكان. في هذا اليوم، سنكون مع الحجيج صوتا وصورة وهم في “عرفات”، ومن روائع الزمن الجديد أن يعيش المؤمنون المشهد بعيونهم وآذانهم من خلال الفضائيات ليكتمل مشهد الوحدة الروحية بين المسلمين في كل مكان. إنه طقس روحي بالغ الروعة يعرفه المؤمنون ويحسّون به مع من يعيشونه هناك في عرفات. أكثر من مليوني حاج يتحركون في إيقاع واحد من شعيرة إلى شعيرة، يمثلون أكثر من مليار ونصف المليار من المسلمين. ولو كان المكان يتسع والظروف تسمح لكان العدد بعشرات الملايين، لكن ما يجري هو تجسيد لوحدة الأمة، وصهر هذا الدين العظيم لكل الأعراق والألوان. مشهد فريد لا يعرف له الكون مثيلا على الإطلاق، فأين هو المكان وأين هي المناسبة التي تحشد جمعا كهذا في العالم أجمع؟! إنه مشهد الأمة، ووحدتها وقوتها مهما قيل في ضعفها وواقع شرذمتها، ذلك أننا إزاء وحدة حقيقية تلتقي في الملمات وعلى القضايا الكبرى، وهؤلاء الذين يشكّون في قدرة الأمة على استعادة قوتها ووحدتها، عليهم أن يرحلوا بأبصارهم وعقولهم إن لم تسعفهم القلوب إلى مكة في هذه الأيام المباركة ليروا ذلك الحشد الذي يمثل الأمة بأسرها، وكيف يتوحد في مشهد لا أحلى ولا أروع. نكتب عن هذه المعاني لأننا نعلم أن هناك من يجدف في الاتجاه المعاكس، مبشرا بهزيمة الأمة وضعفها وعجزها، مستندا إلى واقع بائس في بعض مفرداته بسبب قوة من يمعنون في مطاردة المسلمين والحيلولة دون نهوضهم من جديد. والحال أن هذه الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين، والتي نتابعها منذ زمن طويل، إنما هي تعبير ضمني عن حقيقة مقاومتهم وخوف الأعداء من قدرتهم على النهوض من جديد، وإلا فهل يمكن الحديث عن ضرب في جسد ميت؟! كلا بالتأكيد وهذه المقاومة التي تبديها الأمة في مواجهة الغزاة والطغاة، وفي مواجهة إرادة الإلغاء والتهميش هي تأكيد على ذلك. نقول ذلك رغم أن قادة إيران أبوا إلا أن يطعنوا الأمة في الظهر والقلب، ليس بموقفهم من الحج ومقاطعته فحسب، بل بما فعلوه ويفعلونه قبل ذلك؛ بهذا الحريق الذي أشعلوه في المنطقة، واستنزف الأمة لحساب الكيان الصهيوني والأعداء الآخرين. غدا أيضا في العيد، نعيش الألم مع إخواننا الذين يدفعون الدم والتضحيات في مواجهة الغزاة والطغاة. نعيش الجراح مع أسر الشهداء والأسرى والمعتقلين من أبناء الأمة، وكذلك من جرحاها ومن الملايين من اللاجئين. لكن ذلك لا يدفعنا إلى اليأس، فقد مرت على هذه الأمة محن كثيرة، لكنها ما لبثت أن تماسكت واستعادت حضورها من جديد. الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. وكل عام وأنتم بألف خير. |
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * |
بقي لك 500 حرف
|
رمز التحقق : |
تحديث الرمز
أكتب الرمز :
|
برمجة واستضافة