في وداع والدي الذي كان جنديا اردنيا شجاعا
علي القيسي
10-09-2016 11:42 AM
لم يك والدي من الأسماء التي يشار اليها بالبنان!؟ ولم يقف ذات يوم أمام كاميرات التلفزيون والفضائيات، ولا كان نجماً سياسياً واقتصادياً ولا نجما فنياً مشهوراً،، كان فقط مواطنا أردنيا بدوياً بسيطاً،،،
لم يتعلم من الحياة سوى الصدق والتقوى والرجولة والشجاعة والكرم،، والدي الذي توفي قبل أيام، توفي بصمت وهدوء في مدينة الحسين الطبية،،!
كان بين أهله وأبنائه من حوله،، وذلك عن عمر يناهز 93 عاما،، قضاها في أعمال الوطن والتقوى جندياً مقاتلاً مدافعا عن الأردن وفلسطين كان يحدثنا والدي عن ليلة الانسحاب من اللد والرملة عام النكبة 1947. وكيف جاء الامر بالانسحاب المنظم بعد معارك ضارية مع اليهود بقيادة انجليزية،، حدثنا عن الضابط الاردني راضي عناب وكان المسؤول الثاني بعد القائد البريطاني (وشتون) وحدثنا عن مرارة البكاء بين الجنود حين جاء امر الانسحاب والعودة الى الخطوط الخلفية فجأة،، وهي القدس ورام الله، ذكريات كثيرة رحلت مع والدي عن فلسطين والمنظمات الصهيونية التي احتلتها وهجرت اهلها عنوة بالترهيب والمجازر،،؟؟
شتيرن والهجانا،،وكديما،، وغيرها منظمات صهيونية ،، تم الاشتباك معهما في القدس الغربية في معارك بطولية مشهورة خاضها الجيش العربي الاردني والذي كان والدي أحد جنوده انذاك،، قاتل قتال الابطال عن القدس في معركة باب الواد واللطرون وكفر عصيون ورأى الجنود اليهود بعينه وهم يتساقطون في ارض المعركة كان ذلك كما حدثنا،، ذات ليلة صيفية قائظة من عام 48، شاهدهم وسمع بكاءهم وطلبهم النجدة، وهم بالعشرات جثثاً متناثرة في شوارع وأزقة القدس الغربية، ، ثم جاء الامر بوقف القتال وعدم التقدم للجيش الاردني وصارت الهدنة بطلب من القيادة الانجليزية واسرائيل ،، وكان قائد الجيش الاردني انذاك ابو حنيك كلوب باشا،،!؟
تحدث والدي عن حكمة الملك عبدالله الاول المؤسس، في حفاظة على الضفة الغربية والقدس،، من شر اليهود والمنظمات الصهيونية الارهابية ،،،واشاد بحكمته وسياسته وشجاعته في مواجهة الانجليز واليهود معاً الذين كانوا ينوون اخذ كل فلسطين من البحر الى النهر، وفعلا اخذوها بعدما رفض الاهل في فلسطين قرار التقسيم عام 47 ،، ومن ورائهم بعض الدول العربية انذاك، ،!؟
ذات يوم وانا في العاشرة من عمري اندلعت حرب 67، بين العرب واليهود،، جاء والدي بلباسه العسكري الاخضر الفوتيك وبندقيته على كتفه،، ولكن الشماغ الاحمر على رأسه كان يلبسه بشكل مقلوب؟!! سألته عن سبب ارتدائه للشماغ بالمقلوب ؟؟ بكى بحرارة بعدما استدار من امامي وهو يمسح دموعه قائلا ؛ القدس راحت احتلها اليهود،، فلسطين راحت ياولدي؟!! ثم انخرط جميع افراد الاسرة بنوبة بكاء وتحسر ومرارة وضيق!؟؟؟؟
والدي رحمه الله لم يكن ذات يوم باحثا عن مال، ولا عن منصب ولا عن مساعدات نقدية او غيرها كان يعيش يومه على تقاعده العسكري المحدود،، لقد تعلمنا منه الانتماء والولاء والرجولة والصدق والكرامة والشجاعة والزهد،؟!!
كان يقول لنا حب الوطن عبادة والعمل المخلص عبادة،، ارجوكم الطاعة والنظام والصدق والاحترام والاستقامة وحسن الخلق،، كان والدي يحثنا على التمسك بالقيادة الهاشمية والولاء لها فهي صمام الامان في هذا البلد الاردن وواحة الامن والامن والاستقرار،
الى جنات الخلد ياوالدي لقد كنت وطنيا وقوميا اسلاميا ومؤمنا ومحبا للناس وزاهدا وقانعاً بمعيشتك وظروفك يرحمك الله،