فلم حين ميسرة تم انتاجه عام 2007، و هو من انتاج شركة الباتروس للانتاج الفني و الاخوة المتحدون و من اخراج (مع حفظ الألقاب) خالد يوسف، و شارك به سمية الخشاب و عمرو سعد و وفاء عامر و عمرو عبد الجليل و هالة فاخر و احمد بدير و غادة عبد الرازق مع باقة لامعة من نجوم الدراما في مصر، و قد احدث هذا العمل عند عرضه عاصفة قوية من الانتقادات لما احتواه من احداث مثيرة للجدل و قاسية في مضمونها، فقد ضايقت المشاهدين في المجتمع الشرقي كثيرا و لعدة اسباب لا يسعني كناقد فني الا و ان اعالجها بصورة مستفيضة بعض الشيئ لان موضوعها اجتماعي حساس، و لكي اكون دقيقا في كلامي العمل سامي الهدف بصورة عامة فقط و لكن وجود بعض المشاهد السوقية و ضعف كبير في السيناريو و الاخراج دمره كليا، و مع الاسف بناءا عليه اعتذر من فريق عمل هذه المادة الدرامية جزيل الاعتذار، فوجب علي تحذير من لم يشاهد هذا الفيلم بأنني انصح ضد مشاهدته و هو بهذه الصورة حيث ان هذا العمل الدرامي عبارة عن قطعة خردة بوضعه الحالي و لا يصلح الا و ان يباع لباعة الروبابيكيه و الخردة في القاهرة، و للذي يريد مشاهدته اقول بأنك ستشاهد فلم ضعيف البنية الدرامية و للبالغين فقط اي لا ينصح من هم ما دون سن 18 عام بمشاهدته، فمع كل اسف هذه المادة متروكة من دون فلتر للسن القانوني على اليوتيوب، و قد عرضت على العديد من الفضائيات في السابق و لم تحتوي على اشارة للبالغين فقط ما يطرح المصداقية التي يجب على الفضائيات التحلي بها قيد المسألة، فالموضوع ليس فقط صراع لكسب الحريات في مصر و في منطقة الشرق الاوسط فالحريات موجودة و الحمدلله. و لكن الموضوع هو ان فئة المجتمع التي يعالج قضيتها هذا الفلم هم من المهمشين بصورة مطلقة في مصر و يجب تقديم مشاكلهم بالاعمال الدرامية بحذر شديد جدا...شيئ لم نراه من اسرة فلم حين ميسرة مع كل اسف.
بيئة الفلم و المشاهد السوقية في الفلم :
تحدث احداث هذا الفلم بمنطقة تسمى بالعشوائيات، و غالبا ما تكون هذه الاحياء نتيجة نمو سكاني كبير او نتيجة كوارث طبيعية او ظروف قهرية تجعل نسمة معينة تقوم ببناءها و تفرص وجودها على الدولة، و تبنى وفق أسس فقيرة غير منظمة بسبب ظروف الفقر القهرية التي يعاني منها سكانها، فيتم تشيدها من قبل اصحابها على اراضي شاسعة و لكن بدون تخطيط هندسي مدروس اطلاقا بسبب عدم امكانية شراء خدمات مهندسي البناء و العمارة، فلا توفر لهم اسس العيش الكريم من مرافق و خدامات كما ان وحدات السكن بها متواضعة جدا و لا توفر المسكن الصحي اطلاقا ، فغالبا ما تكون عبارة عن مساحات صغيرة تتألف من غرفة واحدة قد تكون من دون صرف صحي او مرافق صحية؟؟؟!!! و على الاغلب تعيش اسر بأكملها في هذه المساحات الصغيرة بظروف قهرية لتمارس حياتها وفق هذه الامكانيات الضيقة.
و هذه الغرف غالبا ما تكون بالمئات او الآلآف و متراصة جنبا الى جنب لتسلب عنصر الخصوصية من الأسر الساكنة فيها، و قبل ان ندخل بالنقد الدرامي للفلم وجب علينا التنويه عن ان هذه العشوائيات في مصر ظهرت عبر العدة عقود السالفة من الزمن بسبب نسب الفقر و نسب البطالة التي أخذت بالارتفاع بصورة سريعة من دون خطط حقيقية فعالة لايجاد حلول لها، و مع الانفجار السكاني الذي تعاني منه القاهرة حيث وصلت نسمة السكان حسب نتائج جهاز التعبئة العامة والإحصاء لعام(2007) 75مليونا و480ألفا و426 بزيادة قدرها 24,27% عن آخر تعداد أجرى في عام 1996م في مصر، و الارقام بعد ثورة 25 من يناير تشير الى ارتفاعها الى ما يناهز 90 مليون نسمة. فهذه هي الظروف المحيطة بهذه العشوائيات حيث بسبب الفقر يسكن في اروقتها المرهقة الجهل و الأمية و الترهل الاسري و الاكتظاظ السكاني و الجريمة و تجار المخدرات و تفرز و ينطلق منها ايضا اطفال الشوارع...مع التنويه بانه قد يتواجد بها المكافح المسكين الذي يريد لقمة العيس الشريفة و لكن مما لا شك به ان المشاكل الاسرية موجودة بوفرة بهذه المناطق. و هنا يكمن اول مأخذ لي على الفلم.
الفلم يقدم بصورة رئيسية قضية هذه العشوائيات و المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها اهلها من خلال رؤية محدودة الافق بسبب طبيعة شخصيات فلم حين ميسرة و المشاكل التي يواجهونها، فتبدأ احداث الفلم في عام 1990 في بداية ازمة الخليج، فالبطل اسمه عادل حشيشة (عمرو سعد)، وهو رجل عاطل عن العمل و شقيق لرضا (الراحل خالد يوسف) المغترب بالعراق، و يعيش في عشوائيته المتواضعة مع والدته ام رضا (هالة فاخر) و اطفال رضا و اطفال شقيقته. و في اولى مشاهد الفلم نراه بخطوة غير مفهومة اطلاقا اثناء اصلاح عطل ميكانيكي لسيارة في الشارع يستجيب لنداء سيدة تستغيث في سيارة عابرة اثناء عراكها مع رجل في نفس الشارع، فنرى شهامته تتحرك لها فيلحق بها في سيارته و ينقذها منه، فتكون بطلة الفلم ناهد (سمية الخشاب) فيهربا معا ليلحق بهم المعتدي مرة آخرى، و يتخلل هذه المشاهد مطاردة صغيرة للسيارات ثم ينجح عادل بجعل سيارة المعتدي تنحرف الى بحيرة مائية ليموت سائقها ، الشهامة شيئ راقي جدا و من الممكن تفهم هذا الموقف خصوصا في عصرنا الحالي حيث يندر وجود هذه الصفة في الناس...و لكن هذه الصفة يبدو لي انها غير موجودة بهذا الرجل فيناقض نفسه بعدها ببضعة مشاهد، فتحكم محكمة عليه بالسجن لبضعة اشعر بسبب مقتل المعتدي بمطاردة السيارات، و فجأة نرى البطلة ناهد في منزل عادل تعيش مع اسرته و هو بالسجن، فهل بسهولة تدخل هذه الدخيلة على اسرته و تعيش معهم و تنام معهم بنفس العشوائية....ما هذه السذاجة في ترتيب الاحداث، و كأن الكاتب قام بلصق هذه الشخصيات مع بعض فلا اعلم حتى كيف تستقبل ام رضا في منزلها من كانت السبب في سجن ابنها بهذه السهولة، و الادهى من هذا كله هو العلاقة التي اقامها عادل مع ناهد في العشوائية التي يعيس بها، فاذا تفحصنا سيناريو الفلم سنرى ان ناهد انسانة غريبة عن عادل و بحقيقتها كانت حين تعرف عليها عادل بمشهد المطاردة هاربة من تحرشات زوج ابيها بها و كانت السبب بسجنه فهل من المنطق بعد خروجه من
السجن
ان تدخل معه بعلاقة غرامية؟ و الأغرب من هذا كله الطريقة التي تمت بها هذه العلاقة و الطريقة السوقية التي تم تصوير المشهد بها، فيقوم عادل بمعاشرة ناهد بالسرير في الليل و والدته نائمة على الارض على مقربة منه، فهل هذه الصورة المحترمة التي تقدم بها الام في السينما المصرية؟ حتى و ان كان هذا واقع البشر في العشوائيات ليس كل واقع يصلح للتقديم كما هو حرصا على عدم أذية مشاعر المشاهدين، في العلوم السينمائية من خصائص المخرج القدير ان يقوم بتصوير المشاهد بالطريقة المناسبة من خلال عدسة الكاميرات، فإن كان كاتب السيناريو من حقه صياغة المشاهد المؤثرة و المبدعة في العمل الدرامي فإن المخرج من حقه أخذ مادة السيناريو و تصويرها من خلال عدسة الكاميرات بالاسلوب الذي يراه مؤثر على المشاهد...فالمخرج في نهاية المطاف سيروي السيناريو للمشاهد من خلال عدسة الكاميرا...و لكن عذرا ايها المخرج، فلكل حرية حدا لتتوقف عنده خصوصا اذا تعدينا على قدسية احترام مشاعر المشاهدين و البشر، فالام و وجودها في مجتمعنا الشرقي له هيبته و التطاول على قدسية اطلالتها في السينما امر غير مقبول، و تصوير مناظر جنسية بين ناهد و عادل و والدة عادل نائمة بعيدا عنهم بمترين على الارض سفالة لا يجب ان تقدم حتى و ان كانت واقع في العشوائيات، و لا اعلم كيف رضيوا ابطال العمل القبول بهذه المشاهد اطلاقا، فالجريمة ليس فقط من مزاياها كسر القانون...بل هنالك جرائم معنوية قد تكون وخيمة على المجتمع بصورة اكبر من كسر هيبة القانون...و هنا آخذ الواقع كما هو بالعشوائيات و قذفه على شاشات الملايين حول الوطن العربي من خلال هذا الفلم هو قلة لياقة و قلة ذوق و همجية لا يجدر ان نراها في اي فلم سينمائي على الاطلاق.
لا اعلم كناقد فني او حتى كمشاهد كيف يناقض عادل ذاته حينما يعلم بأن ناهد حامل منه، ففي المشهد الذي ينقذها من المعتدي عليها نرى منه شهامة راقية جدا فلم يتركها لبراثن هذا الشرير الذي كان يضايقها بسيارته، بل حتى قبل على نفسه السجن و الدخول بعلاقة معها بكل سلاسة لنأخذ الانطباع عنه كمشاهدين بأنه انسان اصيل جدا...و لكن حينما علم بحمل ناهد تفاجئنا به و هو يرفض تقبلها بحياته هي و الحنين الذي في احشائها، فحتى و ان كان السبب عجزه المادي نلمس هنا في شخصية عادل عدم تواتر صفاتها في خلال السيناريو او الفلم. و هذا ضعف كبير و خطئ كلاسيكي قد ينجر اليه بعض الكتاب حينما يتخلل السيناريو احداث فيصلية هامة، تغير بهذا المضمون في شخصية اي بطل بعمل درامي من الممكن ان يحدث بعد صدمة معينة او مسبب كبير يجعله يتغير و لكن هنا نرى ردود فعل متناقضة من دون سبب واضح.
نرى ناهد تواجه المتاعب المضنية في الفلم بعد انجابها لطفلها، فبعد تكرار حالات التحرش من زوج والدتها و بعد يأسها من اية مساعدة ممكنة من عادل ترتكب جريمة بحق طفلها، فنراها تتركه على كرسي حافلة عمومية...على امل ان يجده من قد يرعاه، و فعليا يعثر عليه عابر سبيل، و يأخذه الى سيدة عاقر تدعى وفاء (اميرة فتحي)، و تقرر تربيته في منزلها مع زوجها كامل (محمد كريم) حيث يرق له قلبها بسبب عدم قدرتها على الانجاب بموقف انساني، و يطلقان وفاء و كامل اسم ايمن على الطفل الذي اشتروه من الرجل، و هنا و مع كل اسف ارى السيناريو يعالج قضية ايمن مع هذه العائلة باسلوب ساذج و ضعيف تسبب لي بالمزيد من الاستياء من هذا العمل السوقي؟ فبعد بضعة سنين و ايمن بين احضان هذه العائلة يكبر نرى امرا لا يمكن ان يتقبله عقل انسان ابدا، فنرى وفاء بعد هذه الفترة الزمنية تزداد تعلقا بايمن...و لكن يحدث ما لم تكن تتوقعه، فيرزقها الله بمولود لنرى تباين مفاجئ بموقف كامل من ايمن مقارنة بتعلق وفاء به...فنكتشف بأن كامل رغم السنين الذي قضاها بمنزله لا يكترث لأمره اطلاقا...و بالرغم من تعلق وفاء به الا انها حينما تكتشف امر حملها ترضخ لضغوط زوجها و نعطيه لاسرة يحب ايمن ان يلهو مع ابنها، فيعيش ايمن الطفل معها لفترة بسبطة جدا و لكن نتيجة لاهمالها لأمره ينطلق الى الشارع لينضم الى اطفاى الشوارع المشردين...فبماذا افسر عدم اكتراث كامل لامر ايمن؟! و خصوصا انه تربى في بيته لفترة ليست بقليلة، هل هذا كلام منطقي؟ الفترة الزمنية كفيلة لتنشئ علاقة ود بين الطرفين، و لكن نرى كامل يلقي به عند اصدقائه بكل عدم اكتراث، اري عيب في تكوين هذه الشخصية كثيرا فاذا ربى الانسان قطة عده بالمنزل لفترة ثم فارقت هذه القطة المكان سيشعر اصحابها بالآلم عليها فكيف برجل عاش هو و طفل ستة او سبعة سنين يأكل معه و يشرب معه...هل من المنطق ان يلقي به و كأنه...مثل ما يقول الاخوة في مصر...و كأنه شكارة ارز عند الغرباء...ارجوكم حينما تتفاعل هذه الشخصيات مع احداث السيناريو لا تجعلوها تبدو ساذجة بهذه الصورة و احترموا ذكاء المشاهدين...فشعرت و كأن الكاتب لم يجد سبيل ليجعل ايمن بالسيناريو يترك عائلة كامل فصنع هذا المشهد فض مشكل، اذكر هنا مثل عربي يقول "يا مسترخص اللحم عند المرقة ستندم"، ما كان يجب عليكم انتاج هذا العمل بهذه الصورة اطلاقا...فمن الواضح انه غير ناضج ادبيا اطلاقا،
في هذا الفلم المثير للجدل نرى العجب العجاب بكل معنى الكلمة، فنرى ناهد في مواقف لا تحسد عليها. فتختار الهروب من تحرشات زوج والدها الجنسية و هي لا تملك قرشا في جيبها. و تتقابل و هي تتهرب من جابي الاجرة في القطار مع امرأة ليل و سمسارة للفجور (غادة عبدالرازق)...فتقع فريسة سهلة لابتسامتها الحنونة و لكلاكها المعسول، فتستدرجها الى منزلها و تقدم لها ضيافة لبقة جدا، و تعرض عليها المبيت في شقتها، و هنا تحدث الكارثة الكبرى...فبينما تظن ناهد انها وجدت انسانة طيبة لا تنتبه في بادئ الامر الى نظراتها الراغبة لها...و حتى حينما قامت بالتحرش بها لم تنتبه ناهد لهذا الموضوع الا لاحقا بالمشهد حينما تختار رفض ما تفعله القوادة بها...سأتوقف عند هذا المشهد لانوه للذي شاهد هذا الفلم و من ثم يطالع مقالتي هذه بأن شخصية السمسارة في الفلم تتمتع بانحراف اخلاقي، فالفطرة الطبيعية للمرأة و نهايتها الطبيعية عند نضوجها ان تستريح
في احضان زوجها و ان تتمتع بعلاقة عاطفية و جنسية طبيعية و موزونة معه، لذلك ما تتمتع به السمسارة هو حالة مرضية لأنها لا تنجذب الى الرجال...بل تنجذب مع الاسف للنساء. و يصنف طب النفس هذه الحالة بانها مرضية بامتياز و علاجها غالبا ما يكون بالعيادة شأنها شأن الحالات المرضية التي تلزمها متابعة طبية، و يصاب الانسان بالمثلية الجنسية غالبا بعد صدمة في مرحلة معينة في طفولته او مراهقته المبكرة، و يمكن للمرأة المثلية الشفاء من مرضها اذا توفرت عندها الرغبة بالتعاون مع طبيب النفس للشفاء...و بنهاية المطاف ليس امر عصي على الله و قدرته عز و جل، فاحببت ان انوه عن هذه النقاط لأن حالة التحرش هذه لا يجب ان تعرض بصورة عابرة في اية مادة درامية من دون ان تكون في سياق يوضح للمشاهد بأنها غير طبيعية اطلاقا، فمع الاسف من بين الاخطاء التي يقع فيها هذا الفلم بأنه يقدم الحالة المأسوية التي يعيشها اسر العشوائيات منذ اولى مشاهده الى نهايته التراجيدية من دون ان يعطي حتى بصيص امل للرأي العام و من دون ان يضع هذه المشاكل بقالب اخلاقي على الاطلاق...بل ينغمس الكادر بسرد احداث تراجيدية متتالية من دون ان يعطي حتى حل واحد لهذه المشاكل...فحتى يكتفي الفلم بسرد حالة التحرش السحاقية المريضة هذه و كأنها حادثة تراجيدية عابرة اختبرتها ناهد في مسعاها لتلاقي السلام في حياتها. وجب على كادر التصوير في اي فلم تقديم هذه المشاهد التي تضم شخصيات مثلية اذا اقتضى النص وجودها باسلوب حذر جدا...فانت كمنتج او مخرج تطلب فيها من الفنان او الفنانة السير بعكس طبيعتهم كرجل او امرأة و التصرف بميول جنسية مع بشر من نفس جنسهم لذلك نجاح هذا الدور يعود على قدرة احتمال الممثل الذاتية بكسر الحواجز النفسية الطبيعية التي بداخله و تقديم هذه الشخصية..و هذه الميزة ليست موجودة بوفرة عند جميع الممثلين سواء بالغرب او بالشرق...لذلك هذه الادوار ضعيفة جدا جدا و وجب على المخرج تقديمها بصورة ذكية و الاكتفاء بما يؤشر عن حدوثها باسلوب محافظ اذا كانت تخدم النص السينمائي، فلم عمارة يعقوبيان تضمن على شخصية مثلية و قام بهذا الدور الصعب الفنان خالد الصاوي و هو من اكبر نحوم القاهرة في مصر، و لكن لم يتضمن الفلم اية مشاهد مزعجة او جريئة كما تضمن فلم حين ميسرة، فقامت هذه السمسارة بالتحرش الفعلي بناهد و شخصيا كناقد فني لا ارى ضرورة لهذه الجرئة اطلاقا...
تنجح ناهد بالهروب من سمسارة الفجور بمساعدة شخص من رواد بيتها اسمه عدنان، و تنشئ بين ناهد و عدنان معرفة مؤقتة تلتزم خلالها ناهد بيت عدنان، فبعد تطمينات عدة بأن منزله تابع لممتلكات اسرته و بأنها ستكون بآمان به تختار ناهد المكوث في البيت عوض الشارع و مرارة التشرد ، و لكن تحدث الكارثة الكبرى...فتتفاجئ ناهد بان لعدنان رفاق يلعبون القمار و يحتسون الجعة و المشاريب الكحولية اثناء جلساتهم، و سرعان ما تداهم الشرطة بيت عدنان لترغم ناهد الهرب من جديد الى الشارع،
تتذوق ناهد بعض الراحة بعيدا عن براثن قسوة الحياة و الشارع فتسكن بشقة سيدة مسنة تصنع معها الخير، فتناديها بعد رؤيتها في الشارع بالقرب من منزلها حيث يرق لها قلبها، و تعاني هذه السيدة من اهمال اولادها لها، فلا يبالوا الا بما سيرثون منها بعد مماتها مما يحزنها جدا، فتخبر ناهد اثناء جلساتها معها كم يعتصر قلبها حزنا من هذه القسوة من اولادها، فتمكث ناهد بجانب هذه السيدة تخدمها لترد المعروف بالخير ، تعبر بناهد فترة زمنية ليست بقليلة في بيت هذه الفاضلة المتقدمة في السن و لكن في لحظات مماتها تتفاجئ ناهد بمداهمة اولاد السيدة المسنة للشقة و رشقها بالتهم العشوائية حيث قاموا باتهامها بأنها سبب وفاتها، فتهرب مرة ثانية الى الشارع لترى نفسها اثناء ضيقتها تقرع جرس باب سمسارة الفجور و منزلها المفعم بالفحشاء، فترحب بها و لكن يقذفها قدرها سريعا بعد مداهمة الشرطة للمنزل في طريق منزل عدنان مرة ثانية...لنرى هنا جريمة لا اعلم كيف ارتضى كادر الفلم تصوريها اثناء انتاج و اخراج هذا الفلم، فالكادر هنا يقدم لنا مشاهد اغتصاب لناهد تكاد تكون مطابقة لمشهد اغتصاب حقيقي؟؟؟!!! فهل من المنطق ان يرتكب اسرة عمل درامي هذه الجريمة؟ عيب يا اخوان يا افاضل ان تتمزق ثياب فنانة كبيرة مثل سمية الخشاب بهذه الطريقة و بين ايدي شباب بهذا الاسلوب المستفز...عيب، نرى ناهد هنا و هي عائدة الى منزل عدنان، فتدخل غرفتها و عدنان و رفاقه في جلسة سمر و انس كعادتهم، فتتفاجئ برفاقه يدخلون غرفتها، فلا تنفعها صرخات استغاثتها لعدنان اطلاقا...فتقع فريسة سهلة لهم حيث يجتمعوا عليها و يمزقوا ثيابها و هي تتلوى بين ايديهم غير قادرة على التخلص منهم...و نراهم يقوموا بتمزيق ثيابها لينكشف جزء من جسدها امامهم...فبحقيقة الامر لم ارى فرقا بين جريمة اغتصاب حقيقية و بين ما حدث لسعادة الفنانة سمية الخشاب في هذا المشهد الغير مهني اطلاقا...فهنالك فرق بين تصوير مشهد اغتصاب في الفلم و بين ارتكاب جريمة الاغتصاب...فكما ان القتل غير حقيقي في الافلام يجب الاكتفاء اثناء التصوير الدرامي بتكرارها تمثيليا و لا تطبيق الجريمة بكامل حذافيرها؟؟؟!!! نحن نقوم بالتمثيل السينمائي و الدرامي و يجب على مشاهد العمل ان تكون مقنعة للمتفرج و لكن لا اعلم بماذا افسر ما صوره المخرج بهذا الفلم، ليس عندنا في صناعة الافلام تلفزيون الواقع real tv...فانت كمنتج تعكس ما هو موجود بالحياة و لا تقدمه حرفيا او بحذافيره لنا على الشاشة فما رأيت بهذا المشهد هو عملية اغتصاب و هذه جريمة مع كل اسف...و اتمنى ان لا تتكرر بافلام قادمة...
لكي لا يفهمني كادر هذا الفلم خطئا انا اهاجم ضعفا تقني و اخراجي و ضعفا بالسيناريو و لا اهاجم طاقم الفنانين و المسؤول عن انتاج و اخراج و تصوير هذا الفلم بصفة شخصية...فللمخرج خالد يوسف اعمال ناجحة جدا مثل فلم هي فوضى للراحل الكبير يوسف شاهين و فلم العاصفة و فلم جواز بقرار جمهوري و غيرها من الافلام كما كان مخرج مساعد في فلم المصير للراحل يوسف شاهين، و لسعادة الفنانة غادة عبدالرازق اعمال ناجحة جدا
اذكر منها مسلسل الخانكة و مسلسل السيدة الاولى و مسلسل الحاج متولي و غيرها من الاعمال التي وجدت استحسان كبير عند المشاهدين، و حصدت اعمال سعادة الفنانة سمية الخشاب على نجاحات كبيرة حيث اذكر منها فلم عمارة يعقوبيان و مسلسل ريا و سكينة و دورها المميز في مسلسل الحاج متولي، اما سعادة الفنانة هالة فاخر فحدث بلا حرج عن ارشيف ماسي مشرف اصبح جزءا من تراث السينما المصرية و ما شاء الله، فقاعدة البيانات في موقع السينما elcinema.com يخبر ب256 عمل درامي مدرج باسمها الكبير، فهذه العملاقة الدرامية تمتهن التمثيل منذ ان كانت طفلة فلها فلم مع الراحلة الكبيرة فاتن حمامة في عام 1957 واسمه لن ابكي ابدا...
وجود اسماء كبيرة بأي عمل درامي سيعطيه قوة و افضلية تنافسية في السوق و هذا ما لا يختلف عليه احدا، و لكن بالشكل الذي تم تقديم هذه المادة به شعرت بأن سقطت قيمته الدرامية كثيرا، فاثناء مشاهده المثيرة للجدل نرى عادل يسعى جاهدا لزيادة دخله بشتى الوسائل الممكنة و الغير قانونية، فتارة نراه يوزع الحشيش لتاجر ممنوعات و تارة نراه يعمل مخبر لصالح الدولة التي تراقب مجريات الحي لتستطيع الضبط و الربط فيه...و فجأة يأخذ العمل منحى دراماتيكي لا علاقة له بالحبكة الاصلية للرواية منذ اولى مشاهدها...فمن اين ظهرت عصابات الاخوان في الحي؟؟؟!!!
يظهر لنا الفنان احمد بدير الذي قام بدور أمين بعد إطلالة اقرب الى الكومبارس منذ بداية الفلم الى تقريبا منتصف احداثه فجأة بهيئة المتشدد و رئيس لعصابة ارهابية، و من اهدافها المشبوهة توجيه ضربة امنية و استراتيجية خطيرة للأمن المصري، و يكون ايضا اليد اليمنى لشبكة متطرفة خارج مصر، و ترينا الاحداث كم ان لشبكته نفوذ بالعشوائيات حيث يقوم بتجنيد كوادر لتنفيذ المخططات ضد الامن المركزي المصري...استحلفكم بالله ان تتأملوا كيف خرج الكاتب و المخرج من ورطة قلة الابداع و دوامة التراجيديات التي اضفت على الفلم لون قاتم اسود بحبكة جديدة لا علاقة لها اساسا بمعاناة ناهد في الشارع و قلة استقرار عادل في حياته، و كأن شخصية أمين كانت الجوكر الذي اخرجه من جعبته لحل هذه المشكلة...فألبسه حلة المتعصب ليدخل الفلم بحبكة المتشددين مع الشرطة...فحول الفلم و مشاهده بعد هذه الخطوة الى كليشيهات كنا قد رأينا حبكات و مشاهد مثلها في افلام الارهابي لسعادة الفنان عادل امام و طيور الظلام و دم الغزال للنجمة يسرا مع الفنان الكبير الراحل نور الشريف، و في فلم عمارة يعقوبيان ايضا كان لهذا الصراع وجوده البارز حيث تألق الفنان محمد عادل امام بلعب دور الشاب الذي إلتحق بمجموعة ارهابية للانتقام من ضابط رفيع المستوى بالشرطة بعد ان جرحه بسبب تواضع مهنة والده ...بل ظهور المتشددين و هم يحملون الاسلحة و يتوعدون المجتمع المصري بالويل و القصاص المخيف اصبح الكليشيه المحبب لدى الفنان عادل امام، فنرى بفلم السفارة بالعمارة مشهد كوميدي لشريف خيري(الفنان عادل امام) و هو يختطف على ايدي جماعة متطرفة، فلأنه يسكن في عمارته بجانب السفارة الاسرائلية تقوم هذه الجماعة بتركيب حزام ناسف على خصره لتطلب منه ان يفجره داخل حرم السفارة؟!
مع الاسف ان هذا الفلم تخطى حدود المعقول و الجرئة الجنسية التي كانت في السالف تنجح دائما بأن تكون حديث الساعة بين مؤيد و معارض في الصحف و في الاعلام على وجودها ليقدم لنا سلسلة من المعاناة القاسية للابطال التي تخللتها جرعات خانقة من الدراما التراجيدية و الجنسية...لتصبح معاناة ايمن الطفل بالشارع في تباين مطلق ما بين تركيب الحبكات الضعيف و قذف شاشاتنا بالمعاناة السوداء...و ما بين طفولة بريئة تدفع ثمن قرارات الاهل الغير مسؤولة حيث تدنسها قسوة الحياة...فحولها قدر مشؤوم من طفولة تتفتح كالبراعم النقية في دنيا مليئة بزوان الانانية و قلة المحبة و قلة المبالاة الذي يخنقها الى كارثة...فكان نتيجة هروب ايمن الى الشارع تعرفه على فتاة تنتمي الى مجموعة من مجموعات اطفال الشارع، فتعلم مهنة الاستعطاء بالشارع و اصبح مع مرور الايام بارع بها. و بما ان طفولته تكبر بين همجية هذه الاطفال نراه يتطبع من عاداتهم و طرق عيشهم المنحرفة. و نراه يقيم علاقة جنسية في سنين مراهقته الباكرة مع الفتاة التي عرفته على مجموعتها، و ينجب منها ابنه...ليجمعه قدره على نفس القطار مع والديه ناهد و عادل...و لكن تفرقهم مسافات عدم المعرفة على نفس هذا القطار السريع...فبينما يتعارك بشراسة مع اطفال شارع يسعون لاختطاف زوجته منه نرى اهله في عربة الركاب في داخلها...فحتى ختام هذا الفلم خالي من الرجاء و الامل لحل قضية أبطاله...
أختم هذا النقد بكلمة أخيرة فلا انكر بأن نبرته ربما تكون قاسية بعص الشيئ...و لكن كيف سيمدح قلمي بعمل تقدمه شخصيات فنية مخضرمة بالتمثيل في مصر و انا اعلم بانه يمكنهم تقديم اعمال انجح بكثير منه..؟ و اقول لفريق العمل مصر عمرها الفني مائة و خمسة اعوام و في رصيدها اعمال رفعنا رأسنا بها كعرب امام اكبر مهرحانات سينمائية في الشرق و الغرب...فلا توطوا من قيمة بلادكم الفنية بعد هذا العمر الطويل و التاريخ العريق من الفنون و الدراما...ارجوكم ان ترفعوا من قيمة بلادكم باستمرار بأعمال تليق بتاريخ دولتكم العريق في عالم السينما...و لم اقرر كتابة هذا النقد الا عندما اكتشفت بأنه موجود على الانترنت و بمتناول ايدي اولادنا بكل سهولة و منذ اول ايام عرضه...فمثلما يستخف بعض المنتيجين بتربية اطفالنا و قذف شاشاتنا بهذه الاعمال احتفظت بحقي كناقد بتوضيح عيوبه على امل ان نرى من السينما المصرية اعمال ارقى بكثير...فتستطيع هذه السينما بامكانيتها الراقية فعل الكثير ان اراد المنتيجون الفنانون ذلك.