لا تطرد «الفرح» من بابك .. !
حسين الرواشدة
09-09-2016 01:13 AM
لا معنى للعيد اذا لم تطرد اليأس من قلبك، وتترك لروحك ان تطير في فضاء «البهجة» بجناحي الحمد والشكر، اذا لم تغادر الضيق والحسرة الى حيث الفرح والابتسامة اذا لم تكسر حدة «الرتابة» وتنفتح على من حولك بدفق المشاعر، ودفء المودة.
يمنحك العيد فرصة لكي تعود الى فطرتك الاولى، والى طفولتك التي تراها في عيون الصغار وهم يفرحون «بلباس» العيد، حاول ان تفرح مثلهم، لا بتغيير اللباس وانما بتغيير «الافكار» والمشاعر فالفكرة «العابرة» هي التي توقظ فيك فطرتك وطفولتك وانسانيتك وهي التي تفتح عينيك على «جمال» الكون الذي غاب عن ناظريك ايام السنة الطويلة. انت اقرب ما تكون الى دينك وانسانيتك وعالمك الصغير حين تكون «فرحا» سعيدا، من قال ان المسلم يجب ان يكون «عبوسا» حزينا، او بائسا منعزلا، هذه اسوأ وصفك أُلْصِقَتْ بالدين وهو منها بريء.
ربما تشعر «بكآبة» الفقر والعوز، كلنا فقراء الى الله، ومحتاجون له، وليس بالمال فقط تتحقق السعادة، كثيرون غيرك ممن اعطاهم الله المال يتمنون لحظة «سعادة» وبعضهم محروم من التمتع بالنوم او بالطعام، انت بصحة جيدة، اذن انت غني، انت لديك اولاد وبنات، وغيرك محروم منهما، انت اذن غني، لا تطرد «الفرح» من بابك هو يحتاج اليك في هذا اكثر مما تحتاج انت اليه.
مفهوم «العيد» ارتبط في الاسلام بالعبادة ، فعيد الفطر تتويج للصوم وعيد الاضحى تتويج للحج ، نظرا لما في العبادتين من اسرار وما يجده المسلم فيها من تعب وما يطلب منه من اخلاص وصبر ، جاء «العيد» ليكون مناسبة للفرح بقبول الطاعة ، والشكر على التمكين والاستطاعة ، واستثمار ما وصلت اليه النفس من اطمئنان في العمل والتأمل والاستزادة من فعل الخيرات.
واذا كان المسلم في موسم الحج قد انفتح على خالقه بالسفر -جسديا وروحيا - الى بيته الحرام ، واستعاد لحظة الخلق الاولى، واستذكر قيمة «التضحية» التي جسدها ابراهيم عليه السلام مع ابنه ، واطمأن الى سلامة طريقه ومصيره ، وتحرر من كل شوائب الدنيا ومغرياتها ، واستشعر معنى «المساواة» والعدالة ، فانه في يوم العيد يعيد مرة اخرى تلك السيرة العظيمة التي تأسس عليه ايمانه وعمله ، فالعيد شعيرة ايمانية وعمل موصول: ايمان بقيمة التضحية ومعنى الاخلاص ورفض الانانية والفردية وتجديد لليقين الدائم بالله والاتكال عليه والتوجه اليه كما انه عمل واصلاح واستباق للخيرات وتنافس على الطاعات واصرار على الفوز بمحبة الله ورضاه واستحقاق مغفرته وجنانه.
وكما انه لا يجوز في الاسلام للمسلم ان يعتزل الناس او ان يشعر بالحزن او ان يفتعل الاحساس بالاكتئاب فانه في العيد - من باب اولى - مطالب باشاعة الفرح في نفسه ومحيطه ، وبالخروج من دائرة الضيق الى السعة ، ومن التعب الى الراحة ومطالب باخذ نصيبه من الدنيا ، هذه التي لم يحرّم الله زينتها على احد من عباده ، ولم يخلق فيها الا ليعبّد طريقه منها الى الآخرة ، فهي الحياة وتلك الآخرة وعمارتهما «وظيفة» المسلم متى فهم دينه واستقامت في ذهنه قيمة خلقه ووجوده ووظيفته في هذا الكون.
وفي العيد -ايضا - معنى اضافي للحياة فهو يوم او ايام مقيدة تعيد للانسان طبيعة حياته التي انقلبت عن طبيعتها وتعيد اليه فطرته الاولى التي جبل عليها ، فطرة الانسان العابد ، لا العابث ، السامي لا الحيواني ، الانسان الذي تتسع فيه روح الحب والجوار ، الانسان الذي تتحرر نفسه من الخوف والغضب والحزن والعزلة ، الانسان الذي يضحي ويعطي ، لا الذي يشحّ وياخذ ويكنز فقط.
الدستور