في التاريخ غير البعيد للقرى الاردنية كان الطواف شخصية رسمية مهمة تتمتع بصلاحيات واسعة وسلطات يصعب تجاهلها من قبل الاهالي والجهات الرسمية.
فالطواف هو الاسم الرسمي والاهلي للموظف المكلف مراقبة وحماية المناطق الحرجية والحفاظ على الاشجار من الرعي والحريق والتقطيع الذي قد تتعرض له.
وتأتي سلطة الطواف من كونه احد مساعدي الضابطة العدلية واعتبار القانون للضبوطات التي ينظمها ادلة على وقوع جرائم الاعتداء على الاملاك العامة التي تستوجب المثول امام القضاء وايقاع العقوبة.
كل الذين عاشوا في القرى يتذكرون سلوك الطوافين الذين يختالون بلباسهم الاخضر الداكن شتاء والفاتح صيفا وجولاتهم في المناطق الحرجية وملاحقتهم للصيادين والكمائن التي ينصبونها للحطابين ورعاة الاغنام للتذكير بوجودهم وتجديد الشعور بالخوف من سلطتهم التي يحرصون على اظهارها في كل المناسبات.
في مناسبات القرى يجلس الطواف في مقدمة المدعوين ويحرص على ان يلاحظ وجوده الجميع وان يقدم له الطعام اولا او ان يكون مع كبار المدعوين في حالة كان الحضور من خارج القرية.
خلال الانتخابات الاخيرة يكاد يلمح المراقب اعادة احياء لدور الطواف بصيغة جديدة حيث يتجول مجموعة من الاشخاص على كل المقرات الانتخابية لا تنقصهم سوى البدلة الخضراء التي كان يرتديها الطواف فهم يحرصون على حجز مقاعدهم في الصفوف الاولى ويذكّرون الجميع بانفسهم وسلطاتهم لكنهم في هذه المرة جاهزون للثناء على الجميع بنفس العبارات ونفس الحماسة ونفس اللامبالاة المبطنة.
الطوافون الجدد رجال ونساء تقاعدوا من الوظيفة العامة ولا زال يراودهم الحلم بالعودة لها ولا يتركون وسيلة ممكنة او محتملة للفت النظر الا ويلجأون لها. فهم مع الجميع وضد الجميع تارة تقدميون واخرى محافظون.
بالامس عادت بي الذاكرة الى الايام التي كان يتعاون فيها الطواف مع مدرستنا الابتدائية لزراعة مئات الدونمات بالاشجار الحرجية التي بقيت وشماً على جبالها الجرداء.
في تلك الايام كنا نذهب منذ الصباح الباكر الى سفوح الجبال المحيطة بالقرية وفي ايدينا فؤوس ومجارف لنحفر الجور لمئات الاشجار الحرجية التي كانت تأتي في شاحنات عسكرية بعد استكمال عمليات الحفر لنقوم بزراعتها.
في تلك الايام كان لدى طواف قريتنا سلطة تفوق سلطة المعلمين والمختار ومعظم مراكز القوى في القرية الصغيرة وكنا نحن اطفال القرية نحترم الطواف ونعتقد أنه الاهم بين كل اللاعبين على الساحة الادارية والسياسية في قريتنا الصغيرة.
بالنسبة للبعض يبدو ان تقمص دور الطواف اصبح يروق لهم فاختاروا ان يلعبوه دون ادراك منهم ان لدى طواف تلك الايام رسالة ومعنى يدركها الطواف والاهالي والسلطة المركزية.
تحية لكل الطوافين الذين عاصروا مشاريع تخضير البلاد وحافظوا على ثرواتها الحرجية.