من السابق لأوانه التكهن بمدى نجاح تجربة إحياء العمل العربي المشترك بقيادة مصر والسعودية, ودعم الأردن, لرأب الصدع الفلسطيني, لرصف الأرضية أمام استصدار قرار عن مجلس الأمن بوقف الاستيطان الإسرائيلي على أمل حماية العملية التفاوضية من شرور التقلبات السياسية الآتية في إسرائيل والولايات المتحدة وفلسطين خلال الشهور الثمانية المقبلة.
ويبدو أن دولا عربية مؤثرة في مؤسسة الجامعة تسابق الزمن لتوحيد الجبهة الفلسطينية المنهارة وسط تغييرات مرتقبة في قمة الهرم السياسي الأمريكي والإسرائيلي.
فتشديد نبرة الجامعة العربية وعواصم مؤثرة مثل الرياض يعكس رغبة ملّحة في إصلاح المشهد الفلسطيني المنقسم بين فتح وحماس, بحثا عن لغة مشتركة لإنقاذ الحق التاريخي في فلسطين أمام مجلس الأمن وإبعاد شبح الحصار الغربي.
خيوط التحرك الأخير بانت قبل أيام خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة إذ سعى المجتمعون لتوحيد مواقفهم السياسية حيال ملفات الاقليم العالقة, في فلسطين والعراق وغيرها, قبل السفر إلى نيويورك لحشد دعم دولي لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة منتصف الشهر الحالي أو عقد اجتماعات كولسة متعددة الاطراف داخل وخارج مقر الهيئة الدولية.
محاولة بث الروح في الجسد العربي المنهار منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003 تتزامن مع فقدان أمل صنّاع القرار العربي بأن تفضي المفاوضات التي أعقبت مؤتمر أنابوليس قبل تسعة شهور, إلى اتفاقية سلام فلسطينية - إسرائيلية على أساس دولتين مع انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي جورج بوش مطلع .2009
فمن غير المقبول ترك الفشل يتفاقم بدعوى صعوبة إنقاذ الوضع أو غياب ضمانات لنجاح محاولات التدخل, أو حتى تعليق مفاوضات السلام حتى منتصف ,2009 بحسب ما رشح عن مداولات القاهرة الأخيرة. ذلك أن الأوضاع المترتبة على هذا الفشل ستكون أخطر بكثير, وتكلفة التدخل لاحقا ستكون أشد وأكبر - هذا في حالة أراد الجميع التعلم من تكرار دروس الفشل في جهود التسوية السلمية منذ انطلاق مؤتمر مدريد الأول عام .1991
النشاط السياسي العربي يخاطب الأخطاء المتراكمة التي ارتكبها شركاء السلام الثلاثة منذ أنابوليس, وأسفرت عن ضياع فرصة تاريخية أخرى للتوصل إلى اتفاق بالتحاق جميع الدول العربية, بما فيها سورية والسعودية, بقافلة أنابوليس.
ولا يبدو أن الأخطاء والخطايا وقعت بحسن نيّة.
بوش ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود اولمرت فشلا في إعطاء المفاوضات, أي صدقية, سواء لجهّة لجم السرطان الاستيطاني أو إنهاء الحصار العسكري المفروض على الضفة الغربية والقطاع أيضا. وأصر الرجلان على استبعاد حركة "حماس" ما لم تعترف بشروط الرباعية الدولية ومنعا أي فرصة للتقارب, أو دفن الأحقاد, بين فتح أبو مازن وبين حماس. كذلك خذلت الإدارة الأمريكية الحالية حلفاءها فيما يعرف بدول الاعتدال العربي, التي راهنت على خيار السلام فيما قوّت شوكة ما توصف بقوى الممانعة والتشدد. بل أمعنت واشنطن وتل ابيب في تجاهل الاستعداد العربي والإسلامي غير المسبوق للمساهمة في بناء سلام شامل من خلال مبادرة السلام العربية. في المقابل, أصرّت واشنطن على استبعاد دمشق من المعادلة الإقليمية رغم استعداد إسرائيل نفسها للتفاوض معها. وفشلت السلطة الوطنية الفلسطينية برئاسة محمود عباس الضعيف, لأسباب داخلية وخارجية كثيرة, في فرض الأمن أو إعادة توحيد حركة فتح أو التفاوض باسم الفلسطينيين المقسومين بين غزة "الحماسية" والضفة الغربية "الفتحاوية".
والنتيجة لعب في الوقت الضائع لهثا وراء سلق سلام مجتزأ قد يشكل قنبلة موقوتة للأجيال القادمة.
فترك الأمور على حالها, بحسب عدد من الدبلوماسيين شاركوا في اجتماعات القاهرة, سيؤدي في أحسن الحالات إلى محاولة إدارة بوش وما تبقى من حكومة أولمرت التوصل إلى ورقة مبادئ عديمة الفائدة, لا هي اتفاقية سلام ولا حتى اتفاق إطار مقنع أو ذي معنى, سيرفضها الجانب الفلسطيني المدعوم عربيا. بذلك ستترك الأمورمعلقة حتى منتصف ,2009 بينما تمعن إسرائيل في إستراتيجيتها التوسعية الاستيطانية وخلق ظروف جديدة على الأرض تتحول إلى أمر واقع. وستنتهي المعادلة الجديدة بتبادل الاتهامات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي مثلما حدث في نهاية عهد الرئيس الديمقراطي ببل كلينتون قبل سبعة أعوام ونيف.
من هنا يأتي التحرك العربي بأمل تعديل المسار.
وهو يستهدف تحقيق عدّة أهداف متلازمة حتى نهاية العام ضمن جهود تحصين الموقف العربي ومنع التراجع عما تحقق لغاية الآن, بحسب مسؤولين وساسة عرب:
- إنهاء حالة الاقتسام الداخلي الفلسطيني خلال فترة زمنية محددة أقصاها شهران بدلا من التعامل مع عملية مصالحة تستمر سنوات, عبر وساطة تشرف عليها مصر وتؤدي إلى إجراء تشكيل حكومة تكنوقراط تشمل جميع القوى والفصائل مهمتها الأساسية التحضير لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية العام المقبل. وأعلن المجتمعون في القاهرة لأول مرة عن نيتهم اتخاذ إجراءات, في أطار النظام العربي الذي يجري إحياؤه مجددا, ضد الفوضى الفلسطينية والجهة التي يثبت مسؤوليتها عن ذلك, خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة بعد شهرين من الآن. فاستمرار الوضع الحالي إلى ما لا نهاية لم يعد مقبولا وبات يهدد الأمن العربي القومي كله, بما فيه أمن واستقرار الأردن ومصر مع عودة الحديث الإسرائيلي والأمريكي عن الخيارين الأردني في الضفة الغربية والمصري في غزة, بحسب ما رشح من معلومات عن الاجتماع الأخير.
- العمل على حماية العملية التفاوضية خلال العام المقبل بحيث تقيها شرور التقلبات السياسية الاتية في اسرائيل والولايات المتحدة وفلسطين من خلال إجراءات فورية مثل استغلال اجتماعات الهيئة العمومية للأمم المتحدة في نيويورك لحراك سياسي عربي واستصدار قرار أممي لوقف الاستيطان فورا والإجراءات الإسرائيلية التي تهدد مستقبل العملية السلمية ضد المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشرقية. السعودية, زعيمة العالم العربي السني, ستتقدم بالطلب إلى مجلس الأمن.
لكن البعض يراهن على مدى قدرة الإدارة الأمريكية المنتهية ولايتها على فرض وقف الاستيطان حتى في ظل الأزمة السياسية الحالية, ما يمنح بوش المأزوم فرصة ترك تركة سياسية.
- تصحيح مسار التفاوض من خلال توسيع عملية أنابوليس بحيث تتماشى مع المفاوضات السورية-الإسرائيلية غير المباشرة, بما يعني ذلك مشاركة الولايات المتحدة في هذه المفاوضات ودعمها لها وتحويلها إلى مفاوضات مباشرة. في هذه الأثناء يجري العمل على ضمان قيام الفلسطينيين والإسرائيليين أو الجانب الأمريكي بموافقة الطرفين على تدوين كل ما تم الاتفاق عليه وما بقي من دون اتفاق منذ بدء مفاوضات انابوليس, مع توضيح رؤية كل طرف للارتباط بين مواقفه والطريقة التي تتم بها تسوية الموضوعات التي لم يتفق عليها بعد, بحيث لا تؤخذ مواقفه على أنها تنازلات مجانية. فمثلا يمكن تدوين ما قبله الجانبان في موضوع القدس أو اللاجئين أو الحدود, مع توضيح كل طرف بأن قبوله هذا مشروط بتسوية بند آخر بالشكل الذي يطرحه, بحيث تكون الموافقات كلها مشروطة بإتمام الصفقة النهائية في ختام المفاوضات.
- إعادة ترويج المبادرة العربية التي بادلت الاعتراف العربي بحق إسرائيل في الوجود بشرط انسحاب الأخيرة من الأراضي العربية التي احتلت عام 1967 كافة وإعطاء ضمانات أمنية.
- العمل على استبدال الراعي الأمريكي الحصري لعملية السلام منذ مؤتمر أنابوليس بإعادة الاعتبار للرباعية الدولية المدعومة من مجلس الأمن, من أجل ضمان متابعة متعددة الأطراف للمسار التفاوضي. في هذا الصدد, بإمكان الرباعية الدولية الدعوة إلى عقد اجتماعين أو ثلاثة مع الأطراف المعنية حتى منتصف العام المقبل من اجل متابعة المحادثات بحيث تكون الأطراف مضطرة للاستمرار في العمل على هذا المسار خلال الشهور التسعة المقبلة, بما يشكل رافعة للمسار التفاوضي تعبر به أزمات الحكومة الاسرائيلية والإدارة الأمريكية والسلطة الوطنية الفلسطينية.
أردنيا, سيستغل وزير الخارجية صلاح الدين البشير, الذي يستعد للسفر إلى نيويورك الأسبوع المقبل, كل دقيقة يمضيها هناك لحشد الدعم الأوروبي لحصول الأردن على وضع سياسي متقدم ضمن الاتحاد الأوروبي, والتأكد من أن العالم كله سيدعم استمرار مفاوضات السلام بهدف التوصل إلى قيام دولتين: فلسطينية واسرائيلية, لضمان أمن واستقرار الأردن.
اليوم, يجول في المنطقة مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي الذي يتوقف في عمّان ضمن جولته في المنطقة بعد أيام من اجتماع وزراء الخارجية العرب.
يبقي السؤال الأكبر: هل ينجح العمل السياسي العربي في إحقاق المصالحة الفلسطينية اقليميا وفي التحرك عالميا في ميدان الأمم المتحدة لضمان عدم ضياع فرصة أخيرة للسلام, وفي خلفية المشهد النتائج البائسة لمفاوضات السلام منذ انطلاقها العام 1991 وانتهاء بآخر محاولة في أنابوليس!
العرب اليوم.