تجلس مجموعة متكرشين فتقرر تشكيل حزب سياسي غايته غير المعلنة كسر رتابة الحياة وممارسة الثرثرة، وتعزيز النفوذ وحماية المصالح . يجمعون المقربين ويرشون الأرض بسيل من أشكال الإقناع بجدوى القناع القادم.
هؤلاء يملأون الفضاء بكاء على الديمقراطية ومصالح الغلابى، الذين ما "تغلبوا" إلا بفعل سياسة كان هؤلاء قائمين على تنفيذها، أو في موقع تمريرها. هم كمن يرش الموت بسكر حتى تكون أقدار الناس مُحلاّة حرصا على الهدوء والسكينة الاجتماعية. .. وحدها الرياضيات تؤكد أن حاصل ضرب الضعيف بمثله ينتج قوة مضاعفة. في السياسة الأمر يختلف، فتجميع الضعفاء ينتج ضعفا معززا أو مؤصلا.
أحزاب ينعتها مؤسسوها وسطية، هم يعرفون أنها تولد ضعيفة ويتعاظم ضعفها بوصف ولاة أمرها موسومين باليمين غير المنتج سياسة وفكرا اقتصاديا ونهجا خبره الناس منذ عقود. يحل أي حزب وسطي جديد وريثا لما يمكن أن يسمى بلقنة الخريطة الحزبية، التي استهدفت بث التيئيس من الحزبية وجدواها، إلا إذا كانت سبيلا لبلوغ موقع في الجهاز الإداري ومكاسبه، فضلا عن إغواء تقدمه مرافقة "النخب" للفوز بكثير من "المكتسبات".
في الأثناء يفرك قادة الحركة الإسلامية أيديهم طرباً لقدرة آلة إنتاج "الوسط" أحزاباً ليس لها من اسمها نصيب على تعددها. يعتقد الوسط مدعوما بإرث إداري أن أفضل السبل لتحجيم الحركة الإسلامية تكون بعرفية التشريع والتضييق وتغييب الوسائل الديمقراطية، وهو في ذلك يتسق وتيار عالمي يذهب هذا المذهب، وذلك نتيجة منطقية وحتمية لاندافعة اليمين العالمي بعد ضرب أبراج نيويورك في 11 أيلول 2001 .
متحزبو الوسط ومطلقو مشاريع أحزابه ونظرياته يحسبون على اليمين السياسي، وهم شاؤوا أم أبوا يحملون سمات اليمين العربي الذي أخفق في أن يشكل وعاء سياسيا أصيلا لفكر البرجوازية الوطنية المنتجة، التي لا يدخل في عدادها وكلاء الشركات الأجنبية ومسوقو منتجاتها من السماسرة.
انبثق اليمين السياسي العربي في عهد الاستعمار وتربى على يديه، وبعد رحيل المحتل ظاهريا، ظل اليمين وفياً لتلك المناخات، فتذيل للسلطة الجديدة لا بل إنه شكّـل حمولة زائدة عليها، لإخفاقه بنيويا في بلورة أُفق فِـكري وسياسي يجعله بديلا مقبولا وملاذا للمجتمع في سعيه للتخلص من تركة الاستعمار وورثته. تمضي السنوات والعقود فيورث هؤلاء بعد عمر طويل أبناءهم "التركة المبروكة" وفيها كوشان الحزب والشهرة والوجاهة.
وبعد سنوات يتوزّر الأبناء والأحفاد لتمضي السلالة النبيلة في معارج الرقي على ظهور عباد الله المتعبين بالكاز والبنزين وطوابير المعونة والذلة، ولا بأس ان ظلوا مدى العمر خزان أصوات لانتخاب هؤلاء إياهم،المتكرشين ومن والاهم الى يوم الحساب.
muleih@hotmail.com