في موقف "الإخوان" من السجال الراهن
د. محمد أبو رمان
13-09-2008 03:00 AM
بعد تساؤلات واستفزازت إعلامية خرجت الحركة الإسلامية عن صمتها ودخلت على خط السجال السياسي الراهن في البلاد، من خلال تصريحين رئيسين؛ الأول لرحيّل غرايبة، نائب أمين عام جبهة العمل الإسلامي، والثاني لهمام سعيد المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين.
تصريح همام سعيد (نُشر على موقع الجزيرة نت من خلال تقرير للزميل محمد النجار) أعلن فيه أنّ "الصراع الدائر أقرب لكونه صراع أشخاص ومراكز نفوذ على كونه صراعاً حول الإصلاح في البلاد".
وحدّد سعيد موقف الإسلاميين بـ"الحياد"، قائلاً: "الحركة الإسلامية في الأردن ترفض استخدامها أو استخدام العلاقة معها في إطار خلافات "ليست أكثر من محاور شخصية، وليست محاور تبحث قضايا وطنية كبرى".
المفارقة تتبدى في أنّ سعيد في توصيفه للسجال الدائر وقع تحت تأثير الدعايات التي تختزل جميع ما يجري بأنّه "صراع مراكز قوى"، دون التدقيق في مدى دقة هذا التعريف وموضوعيته، ودون العودة إلى القضايا المثارة حالياً وتحديد موقف الحركة الإسلامية منها، وإن كان سعيد أشار (بصورة عابرة) إلى موقف الإخوان الإصلاحي المحارب للفساد ومع الإصلاح السياسي.
ربما كان تصريح د. رحيل غرايبة (على الموقع الالكتروني للجبهة) أكثر دقة وتحديداً، لولا أنّ هنالك خطأ فادحاً وقع في وضع العنوان واستنباطه من نص التصريح. فالعنوان كان بحاجة إلى تحرير أدق وأكثر حنكة. لكن الغريب أنّ ما حدث لاحقاً هو سحب التصريح من الموقع، دون توضيح أسباب ذلك! "عنوان" تصريح الغرايبة أوحى بموقف "حيادي" في السجال الحالي وتوصيفه باعتباره "صراع رؤوس". لكن من يقرأ نص التصريح بدقة وموضوعية يكتشف خلاف ذلك تماماً.
فغرايبة وإن كان قد أشار إلى أزمة مراكز القوى (وهو بالمناسبة ما لا ينكره أحد) لفت إلى أنّ موقف الحركة الإسلامية يتحدد بالاحتكام إلى الدستور، من خلال إعادة الولاية العامة للحكومة على جميع الشؤون السياسية والإدارية. الملفت في التصريح أنّه شخّص مكمن الخلل والسبب في "صراع القوى الحالي" بأنّه ناتج عن ضعف الحكومات لـ"تنازلها التدريجي عن صلاحياتها أو تغول بعض الأجهزة عليها". قائلاً: "الانتقاص من ولاية الحكومة في اي شأن يفضي الى ظهور مراكز قوى وصراع رؤوس لا يصب في المصلحة العامة".
بل يذهب غرايبة أبعد من ذلك، فيقترب بذكاء من "المدخل" الصحيح لقراءة السجال الحالي، عندما يرفض انجرار السجال الحالي إلى "إثارة النعرات الإقليمية". إذ لجأ البعض إلى إحالة كل ما له علاقة بمطالب إصلاحية وقضايا مرتبطة بالعودة إلى الدستور ومكافحة الفساد باعتبارها جزءا من "صراع قوى" ذي طابع إقليمي، وهم (بذلك) يشوِّهون "الحس الوطني" العام ويمنحون "حصانة" ضمنية للفساد.
فالدلالات الرئيسة لتصريح غرايبة هي الخروج بموقف الحركة الإسلامية من السجال الدائر باعتباره "انحيازاً" لطرف ضد آخر إلى بناء موقف وطني صارم وواضح، يتمثل بالعودة إلى الدستور والولاية العامة للحكومة والإصلاح السياسي ومكافحة الفساد، وهو موقف أبعد ما يكون عن "الرمادية" التي حمل الإعلام التصريحات السابقة عليها، بل ويسير التصريح مع مطالب التيار الوطني العام، ويتكاتف مع الأقلام الإعلامية التي تتخذ الموقف نفسه.