ما يشهده العرب في بواكير هذا الخريف ينذر بمزيد من تساقط الاوراق سواء تعلقت بمصائر جماعية او قضايا كانت ذات عروبة غابرة مقدسة .
انه خريف بلا رومانسية، حيث لا ظهيرات رمادية وسماء محتقنة وحدائق تتقاسم ظلالها القطط، فالربيع لم تزهر فيه غير شقائق النعمان، وكان لنوار اللوز فيه ملمس الثّلج ورائحة الفحم البشري .
فيما مضى كان للفصول ايقاعات وروائح واصداء تداعب القلب، لهذا حين فكر الامبراطور الروماني بمنفى شديد القسوة لشاعر الحب اوفيد نفاه الى مكان لا حدود فيه بين الفصول، وخريفنا العربي بدلالته المُزدوجة سياسيا وثقافيا ليس موسما للشعراء او شجنا للعشاق، لهذا فنحن اصبحنا نخاف من اقترابه وتسبقه الينا رائحة تثير الهلع في النفوس .
فما الذي حدث للتقاويم ؟ وهل انتقلت اليها عدوى التاريخ بحيث تمارس الجغرافيا انتقامها ؟
ما خسرناه خلال هذه الفترة من التآكل القومي والانتحارات الوطنية تعجز عن احصائه اذكى الحواسيب، فهو ليس مالا فقط وليس سلاحا فقط، انه اعمارنا التي تسربت خلسة او سقطت سهوا ، فالايام تشابهت حتى اصبحت يوما هو الاطول في التاريخ، وأسوأ ما يمكن حدوثه لانسان هو ان يكون على علم بما تحمله اليه رسائل الغد وما بعده، لأن الاناء كما قيل ينضح بما فيه، والعطر لا يتقطر من البصل والثوم .
خريف بلا رومانسية يأتي في اعقاب ربيع عاد النّحل فيه جائعا ولم يجد قطرة من الرحيق . فكم هو عمر هذه الدراما ومتى سنشهد حلقتها الوداعية الاخيرة .
ان ما يسميه علماء النفس الارهاق العاطفي تحول في عالمنا العربي الى وباء قومي، والانتظار الذي يتجاوز الحدّ يصبح عقيما، او اشبه بانتظار اهل المدينة التي كتب عنها الشاعر كفافي للبرابرة، لكن البرابرة يخيبون ظنهم ولا يأتون !!
الدستور