بوادر ديمقراطية غير مشجعة
سامر حيدر المجالي
12-09-2008 03:00 AM
بعيدا عن اتخاذ موقف يؤيد أحد الطرفين في السجال الذي دارت رحاه بين التيار الوطني وخصومه ، يجدر بنا أن نقف موقفا تقييميا ، يبتعد في هدفه عن نقد تجربة التيار بسلبياتها وايجابياتها ، ويبتعد كذلك عن تقييم فحوى خطاب المنتقدين ودعاواهم ، ليسلك سبيلا يتجه إلى رأس النبع الذي من أجله تُجترحُ التجارب وتُستحدثُ الأفكار ، أي الديمقراطية ، فننظر إلى شكل الخلاف القائم وأسلوب كل طرف في إدارة هذا الخلاف .
عند هذه النقطة بالذات توضع الإدعاءات الديمقراطية على المحك ، وتنبئ الأكمة عما وراءها .
الملاحظ أن الخلاف ومنذ إطلاق صافرة البداية يتجه إلى كسر العظم والإمعان في ذكر المثالب والنقائص ، ففي مقابل الحديث عن جثث جامدة يتم الحديث عن جثث هامدة ، وفي مقابل الاتهام بتطبيق أجندة تتبناها الدولة يتم الاتهام باستيراد أجندة خارجية والعمل على تطبيقها . وفي مقابل الأصنام تتحرك أوثان .
كل هذا وسط حالة من الاستقطاب يرى كل طرف نفسه خلالها مركز اللعبة والحارس الأمين على العملية الديمقراطية والمعبر عن صوت الأغلبية الصامتة . نقضُ الآخر ونفيه هو المسلك الذي يسلكه الديمقراطيون عندنا تعبيرا عن نوازعهم الديمقراطية وتأكيدا على إيمانهم بالتعددية والرأي الآخر !!
وهذا مسلك له جذور راسخة ، وهو السبب الذي من أجله دفعنا أثمانا غالية على طريق التقدم والحضارة دون أن نظفر منهما بشيء ، اللهم إلا بقشور براقة ومسميات خلت من مضمونها . قضية المسميات هذه هي المشكلة الرئيسية ، وهي المفتاح لفهم النوازع التي من أجلها نغرق في تقديسنا للمسميات وتزويقها ، متناسين المضمون والجوهر . الديمقراطية هي واحد من المسميات التي تم اختزالها في عملية اقتراع وصناديق انتخابية ، ولجان مشرفة تُباع وتُشترى ، وناخبين يتفاهمون بلغة ( القناوي ) و( الشباري ) قبل أن يدلي واحدهم بصوته الانتخابي .
تناسينا أو تجاهلنا عن سبق إصرار وترصد أن لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين ، وأن الدواء في غير محله مهلكة ومفسدة . المسميات عندنا وسيلة للتجمل لا أكثر ، ومهرب نريد أن نعوض من خلاله النقص الساكن في أعماقنا وشعورنا بأن العالم في واد ونحن في واد آخر . بل هي أكثر من ذلك ، هي تخل عن الواجبات والأمانة الملقاة على عاتقنا ، وطريقة نضمن من خلالها أن يستمر الركود وتدور عجلة الزمان دون تغيير يذكر .
نعود إلى الخلاف ، ولعل من الأدق أن نستبدل الآن كلمة الخلاف بكلمة الشقاق فهي الأقرب إلى مضمون كلامنا ، فالخلاف محمود والشقاق مذموم ، وما تردي أحوالنا إلا ثمرة رئيسية من ثمار الشقاق الدائم . نقول هنا أن الشكل الذي اتخذه الخلاف فتحول إلى شقاق ومعركة تكسير عظم وفرض مفاهيم مغلوطة ، هو نتاج تاريخي لشقاق طويل وطريقة في الفهم تَدَخَّلَ خلالها لاعبون كثر ، اتبعوا نفس النهج والتكتيك في تعاملهم مع الآخر المختلف .
زمن طويل رأى فيه الإسلامي نفسه الحارس الأمين والأوحد على الشريعة والقيم الأخلاقية ، ورأى الوطني خلاله نفسه حامي حمى الوطن والذاب عن سياجه دون خلق الله أجمعين ، واعتبر اليساري فيه نفسه وبشكل حصري حارس المستضعفين ومحقق أحلام الطبقات الكادحة . عَجِزَ الجميعُ عن التواصل ، فالذي يحتكر الخيرية في هذا الوجود جدير بأن ينبذ الشر الموجود في الآخر ، ثم يعمل على القضاء عليه قضاء مبرما .
ثم يتبجح الجميع بالديمقراطية ويلهثون وراء المسميات ، تماما كما صنعت مسميات أخرى من قبل ثم تم تجريدها من مضمونها . المعركة ولا معركة ، محاربة الاستعمار ونحن أول جنوده ، التنمية والخيرات تنهب ، المجتمع المدني والانقلاب يتلو الانقلاب ، حقوق الإنسان والسجون مكتظة بسجناء لم تعرف التهم الموجهة إليهم ، وأخيرا الديمقراطية ونبذ الآخر وإخراجه من الوجود . الحقيقة ، كان على التيار الوطني أن يحافظ على رباطة جأشه أمام أول نقد يتعرض له ، فضريبة الديمقراطية تكمن هنا ، في سعة الصدر واستيعاب الآخر .
كان على التيار أن يستثمر النقد الذي وجه إليه ليبرهن على ديمقراطيته وترحيبه بالنقد مهما كان حادا وموجها . أما أن يكون لديه هذا الكم من الحساسية ويخوض في تاريخ الآخرين ونواياهم منذ اللحظة الأولى ، فهذه نقطة سوداء تلقي بظلالها على ادعاءات الديمقراطية من أساسها .
Samhm111@hotmail.com