كنت في حوار مع كاتب صديق اعترف خلاله بأننا نخفي اثناء الكتابة اهم ما لدينا، ونبذل جهدا يبدد معظم طاقتنا ونحن نحاول ان نتجنب المحظور وما يمكن ان يؤدي الى صداع نحن في غنى عنه .
بالطبع وافقت صديقي، واضفت بأن الامة التي تحرم ابناءها من التعبير عن كل ما يدور في دواخلهم انما تهىء لهم اسبابا كافية للكذب وللازدواجية، بحيث ينقسم الكلام الى ما هو مباح في الليل وما هو محرم في النهار .
وأضفت ايضا ان الكاتب العربي اذا جازف وقال واحدا بالالف مما قاله ميلر عن امريكا وهي وطنه او نيتشة عن المانيا وهي ايضا وطنه لتحول الى امثولة في العقاب والنّبذ . رغم ان هؤلاء ينتقدون بلادهم لأنهم يحبونها، ويريدون لها ان تكون ابهى واقوى لكن الامر معكوس في عالمنا العربي، فالمطلوب هو تحويل الاخطاء الى عورات يجب التستر عليها وذلك وفق منطق انا واخي على ابن عمي وانا وابن عمي على الغريب، فمن هو الغريب ؟ هل هو الاخرون جميعا اذا لم يكونوا من صُلبنا وشجرة عائلتنا ؟
ان فوبيا الخوف من العقاب على الصدق والاقتراب من الحقيقة، صاحبت المثقف العربي منذ قرون خصوصا اذا كان على دراية تاريخية بما حدث لمن حاولوا تعليق الاجراس، لهذا اصبح هذا المثقف داجنا يؤثر طريق السلامة تجنبا لطريق الندامة كما يقال في الامثال .
لكن من هو الخاسر في نهاية المطاف ؟ انه المجتمع كله، لأنه يحرم نفسه من حق مراجعة الذات والبحث عن كل ما سقط سهوا من الحقائق، فأي تناقض هذا بين مواعظ لا آخر لها عن الصدق والنزاهة وشجاعة الاعتراف وبين العقاب المعد سلفا لم يصدق هذه المواعظ !
ما قاله صديقي وما قلته ايضا هو اقل من اعتراف لكنه اكثر من مجرد ثرثرة !!
الدستور