لجنة تحقق و ليست تحقيق في "ابو غيدا جيت "
د.عبدالفتاح طوقان
09-09-2008 03:00 AM
اثارت قضية عطاء هندسي محال على زوجة رئيس سلطة العقبة قبل تاريخ تعينه و من ثم الاشراف عليه في عهده ، الرأي العام عندما قام رئيس الحكومة بدرء الشبهات لايقاف العطاء وطلب من مجلس النواب ، و الذي كان يحق له الرفض لعدم الاختصاص ، تشكيل لجنة "تحقيق نيابية " في حينها و التى بادرت في العمل.
و قد يختلف البعض مع ما صرحت به الصحف من ان الرئيس نادر الذهبي امر بتشكيل لجنه تحقيق نيابية لان الحكومة لا تأمر مجلس النواب بل تطلب منه حسب الدستور. البعض يرى انها "لجنة تحقق سياسية اكثر منها اي شيء اخر ".
ان دور المجلس هو التشريع و الرقابة توجيه الاسئلة و الاستجواب للحكومة ومناقشة برنامج الحكومة و اعطاء الثقة ، حتى ان الموافقه على المعاهدات و قرار الحرب لم يشمل دور المجلس النيابي ، باستثناء التصويت على معاهدة السلام الاسرائيلية و لهذا التصويت اسبابه و مسبباته ، اما لجان تقصي الحقائق فيدور حولها الكثير من الافتراضات و الاعراف و الصلاحيات و الحدود . و اقصد القول ان لجان التحقق او تقصي الحقائق لها شروط لتشكيلها دستوريا ، و يناط بها جمع المعلومات المتعلقة بوقائع معينة وإطلاع المجلس الذي شكلها على النتائج التي تنتهي إليها أعمالها، ولا يجوز تكوين لجان لتقصي الحقائق في وقائع تكون موضوع متابعات قضائية ما دامت هذه المتابعات جارية؛ وتنتهي مهمة كل لجنة لتقصي الحقائق سبق تكوينها فور فتح تحقيق قضائي في الوقائع التي اقتضت تشكيلها.
ثم إن لجان تقصي الحقائق مؤقتة بطبيعتها وتنتهي مهمتها بإيداع تقريرها، ومن المفترض ان يحدد قانون تنظيمي طريقة تسيير لجان تقصي الحقائق. فهل قانون مجلس النواب لديه هذا القانون و اليه لعمله ؟. كما و ان طلب تشكيل لجنة "تحقق " بحاجة الى تصويت اغلبية من السادة النواب للموافقه على وجود لجنة او داع لها و يجري التصويت عليها بثلثي المجلس لتكون قائمة وصحيحة ، و هنا لا بد من الرجوع الى زمن قيام النائب ليث شبيلات الطلب في تشكيل لجنه تحقق نيابية مع رئيس وزراء و ما حدث ، حيث ان القانون لا يتجزاء تماما كما لا يتجزاء الدستور.
و ارجو مراجعة الجرائد الاردنية الصادره حينها و كتاب تكليف اللجنة النيابية و الذي يتحدث عن لجنة "تحقيق " من قبل السادة النواب ، وهو امر غير قانوني لان دور السلطة التشريعة من اسمها هو التشريع و ليس القضاء و التحقيق ، و دور السلطة التشريعية هو المراقبة لاجهزة السلطة التنفيذية ، و من المفترض ان تكون الرقيب على الحكومة لا المنفذة لتعليماتها ، و هي صاحبة الولايه في تلك المراقبة ، العكس في التنفيذ هو الصحيح .
و ارجو ايضا مراجعة الجرائد الاردنية بعد ان تقدم رئيس اللجنة المالية و الاقتصادية في مجلس النواب المهندس خليل عطية باعتراض على تشكيلها لان الامر معروض على القضاء ( و هو امر بالامكان ان يحدث في اي لحظة اثناء سير عمل اللجنه ، اذا ما تقدم مكتب عمان بشكوى ضد ايقافه عن العمل بعد الاحالة ).
كان الاجدى ان يعترض المهندس خليل عطية في الحقيقة مبنيا على دور المجلس التشريعي و صلاحياته ، وبين التحقق و التحقيق ، اكثر منه لوجود شكوى لدى دائرة القضاء ، كما انه من حق مكتب عمان و من حق مكتب رئيس المفوضية الا يذهبا او يتعاونا مع اللجنة النيابية لانها لا تملك حسب السلطات المستقلة في الاردن ان تكون لها وصاية عليهما او على اي مواطن الا بالقانون وبنوده الواضحه والموشحه بموافقة من المقام الملكي السامي .
و دور المجلس النيابي او اللجنة الممثله له هو تقصي الحقائق لا التحقيق ، حيث ان دور" المحقق" هو دور الاجهزة التنفيذية و دور "الحكم" هو القضاء المستقل عن كليهما . يحق للمجلس النيابي ان يطلب من الحكومة الاردنية اذا رأى ضرورة في ذلك ممثلة في رئيس وزرائها ان يتقدم موظف حكومي بالرد امام المجلس على اي استفسار او ممارسة و من حقه ايضاح موقفه امام المجلس لمجرد التعرف على حدث معين و ليس للمحاكمة التى هي من اختصاص القضاء المستقل وحده .
برى جانب من القانونيين انه يحق للمجلس النيابي ان يستدعي اي مواطن من القطاع الخاص او الحكومي للادلاء بشهادات عن مواقف معينه . و يرى بعض القانونييون من جهة اخرى ان اللجنة المقررة من مجلس النواب يحق لها ان تستمع و تراجع الاوراق و المستندات بشرط الاغلبية التصويتية على تكوينها و لكن لا يحق لها حق الاستجواب .
اتمنى ان تدرس تلك الحالة و يصدر بها نص من الانظمة و التعليمات حسب الدستور لا حسب الاهواء . عموما تلك الجرائد تراجعت في الحديث عن اللجنة النيابية اعتبارا من 2008-09-07 عن كونها "لجنة التحقيق " معتمدة على رأي رئيس المجلس القضائي المصيب و الذي تحدث عن دور "تحقق " اي متابعه ما يجري و صحته لا " التحقيق" ، و هنالك فرق في المصطلحات . لذا صدرت العناوين الصحفية تباعا باعتبارها "لجنة تحقق نيابية " .
لقد تداخلت الاراء و اختلفت حول قانونينة لجنة "التحقيق " و حسب ما نشر عنها بهذا الاسم في الجرائد المحلية و جاء الراي القانوني لرئيس محكمة التمييز فاصلا بأنها "لجنة تحقق " و هذه تسمية صحيحة يشكر عليها ، حيث انه لغويا هنالك فرق بين "التحقيق " الذي تمارسه السلطة التنفيذية باجهزتها المختلفة و بين "التحقق " و الذي هو احد ادوار السلطة التشريعية بمفهوم " التقصي " ، حيث انه قانونا لا يجوز للسلطة التشريعية كما اسلفت ان تقوم بالتحقيق و الاستجواب او الحكم لان التحقيق هو للشرطة و الحكم هو للقضاء .
و في العادة فأن تشكيل لجان تقصي الحقائق قد ظهرت كالية من اليات الرقابة على الاداء الحكومي في المغرب و استدعت لذلك تعديلا في الدستور المغربي يسمح بتشكيلها عام 1992 ، و كان ان تحققت في قضية المخدرات ، و في قضية احداث العقاب الجماعي في سيدي افني و في قضية تسريب امتحانات البكالوريا في المغرب عام 1979، و هو ما حدث في الاردن من تسريب اسئلة امتحانات التوجيهي في عهد ووزير التربية و التعليم د.خالد طوقان دون اي لجنة تحقق .
الدول الديمقراطية تشكل لجان تقصى الحقائق للبحث في عجز الموازنة مثلما حدث في فرنسا و في التوريدات الحربية و المشتريات وعصيان السجون ، كما و يحدث في بريطانيا عند الحديث عن عيوب الحكومة و ضعف الجهاز الاداري و التحالف في الحروب و غيرها مع العلم ان "الاستجواب" ليس من حق مجلس العموم البريطاني و هو اكثر و اعرق الدول الديمقراطية . في امريكا لجنة تقصى الحقائق ادات الى اقصاء الرئيس الامريكي في فضيحة ووترجيت .
يا ترى ما المطلوب من هذه اللجنة ، هل هي لجنه تقصى حقائق سياسية ، ام لجنة تقصى حقائق معنوية ، ام لجنة تقصى حقائق تشريعية تتشابه مع لجان شكلت لتدقيق نتائج الاعتراض على انتخابات نتائجها عرفت سلفا ؟
aftoukan@hotmail.com .