هذا كلام على هامش الحوار الطبيعي الدائر إعلاميا وسياسيا حول الانتخابات البرلمانية, وحول مشاركة الاخوان المسلمين فيها, تحت يافطة حزب جبهة العمل الإسلامي, وهو كلام يحاول أن يكون موضوعيا, في تقييم الواقع الاردني وليس له من هدف بإذن الله, سوى ما أعتقد أنه المصلحة العامة, فإن أصبت فأجري على الله, وإن أخطأت فأسأله المغفرة.
مشكلة الإخوان المسلمين ليست في الفكر المستمد من شرع الله جل في علاه, وإنما هي في نهج بعض قياداتهم التي رأت في ثورة الإتصالات العالمية, وفي إفرازات العولمة التي عادت وإنكفأت في هذا الزمان بعد أن تكاثرت وتشعبت عوراتها , وفي التحول "الديمقراطي" الذي أخذ يغزو المنطقة والاردن جزء منها , سببا ومبررا قويا من وجهة نظر تلك القيادات لتفكير سياسي أعلى سقفا, وعلى نحو قد يمهد للوصول إلى سدة الحكم ولو على مستوى الحكومات, ومن هنا , كان الخطأ الاول الذي وقعوا فيه بحسب اعتقادي, عندما صنعوا لأنفسهم يافطة حزبية زينت للكثيرين من قياديهم المتحمسين الجدد, فكرة إعلاء الصوت أكثر , على نحو قد يلزم السلطة الرسمية بالإنصياع لرغباتهم ثم تسلمهم إدارة الدولة " ديمقراطيا " , لينفذوا نهجهم المخاصم للغرب الذي أوجد "إسرائيل" ابتداء , وليكون الاردن عمليا أرض الحشد والرباط وفقا للشعار الذي يرفعون.
هذا تفكير نظري رائع, وكل الاردنيين على اختلاف مشاربهم ومعتقداتهم , بمن في ذلك قيادة الدولة, يتمنون لو كان ذلك أمرا قابلا للتطبيق على أرض الواقع, في ظل حالة توحد أو وحدة عربية ولو وجدانية تسخر كل ما تملك من طاقات في خدمة غاية استراتيجية عظمى كهذه, خاصة وإن كل عاقل بالغ راشد, يدرك وبالفطرة أن الأردن لا يمكنه مجرد التفكير منفردا بشيء من ذلك أبدا , وإلا فهو كمن يسير برجليه طوعا نحو التهلكة , وأفترض أن احدا لا يقبل بذلك تحت أي مبرر كان ., مثلما أفترض أن القيادات الإسلامية تدرك هي الاخرى , أن ثمة اختلافاً جوهرياً رادعاً بين حكي القرايا وحكي السرايا إن جاز الوصف! , فلو كان كل ما نتمنى قابلا للتطبيق, لما كان حساب ولا عذاب في الحياة الآخرة ولكانت الجنة مأوانا كلنا!
تقلص شعار الإسلام هو الحل تكتيكيا في الأدبيات السياسية الانتخابية للإخوان, وحل مكانه شعار الإصلاح , ولذلك شكلوا التحالف الوطني للإصلاح لخوض الإنتخابات , واختاروا له مائة وعشرين مترشحا ينافسون سائر فئات الشعب الاردني الأخرى على مائة وثلاثين مقعدا، وبإفتراض أن أحدا لا يترشح إلا بهدف الفوز, فإن الإخوان يفترضون فوز مترشحيهم جميعا, تاركين لمن سواهم عشرة مقاعد فقط، لا بل فقد رشحوا أكثر من قائمة للدائرة الواحدة في أكثر من دائرة! , وضموا إليهم مترشحين من فئات أخرى كالعشائرية مثلا، بهدف تجميع كم أكثر من الأصوات لقوائمهم .
لو كنت إخوانيا لنصحت بترشيح عدد لا يتجاوز عشرين شخصا, وضمنت فوزهم أو معظمهم, تاركا لفئات الشعب من غير الإخوان حصصهم, ولتقربت من الدولة في شقها الرسمي كثيرا , ولأزجيت لها الطمأنينة كاملة بأن هدفي هو أن أشارك في الإصلاح لا أكثر , ولأقنعتها وهي الجهة المسؤولة محليا وإقليميا ودوليا , بأنني خير من يقدر تبعات تلك المسؤولية وما يترتب عليها من إلتزامات لا تملك الدولة إمكانية التملص منها أو التهرب من الوفاء بها, وبخاصة في هذا الوقت العصيب الذي يشهد سقوط دول وخراب أخرى وتشرد شعوب في مشهد عنوانه الدم والموت والدمار, ولنا في تجربة مقاربة الإخوان للحكم في بلدين شقيقين جارين , خير مثل يمنحنا الحكمة في ما نقول وما نتخذ من مواقف سياسية على وجه الخصوص.
لا علينا , أخذ الإخوان قرارهم , ولا أتردد مطلقا "وأعتذر منهم سلفا" في إعلان أن الحكمة قد غابت عنهم في ترشيح مائة وعشرين وعقد ما يسمونه تحالفات مع آخرين, بينما أصدر أحدهم فتوى تجيز لأتباعهم التصويت لمن يرغب دونما إلتزام بالقوائم, فهل يستقيم ذلك مع مسمى تحالف مثلا! , ناهيك عن أن قرارهم بالشكل الذي تم, يقول صراحة ولو نظريا أنهم يسعون لبرلمان لهم وحدهم يمكنهم ولو نظريا كذلك من تشكيل الحكومة وإعادة صياغة الدولة وفق ما يريدون , وهنا أسألهم ببراءة لا كيدية فيها أبدا أبدا، هل تعتقدون أن ذلك ممكن في هذا الزمان الإقليمي والدولي الملتبس الذي يتموضع فيه بلدكم الاردن وسط النار لا عند حوافها! , وهل هذا من الحكمة وبعد النظر السياسي بمكان ملحوظ!
بصراحة أزعم أن فيها من البراءة والحكمة والصدق الكثير وللمصلحة العامة في زمن مروع عصيب , فأنا "إن جاز لي ذلك"، أنصح الإخوان بمقاربة الفضيلة والعودة عن قرارهم, والاكتفاء بعشرين مرشحا فقط في سائر أرجاء الوطن , لتكون مشاركتهم في البرلمان القادم رمزية إلى جانب إخوانهم المواطنين جميعا, لتعزيز نهج الإصلاح الذي به ينادون في بلد محاط بالمخاطر من كل لون , بلد محاصر عمليا من جهات ثلاث شرقا وغربا وشمالا , بلد تجهد قيادته ودولته لضمان أن يستمر هادئا مستقرا وسط بحر هادر يفاجئنا كل لحظة بما لم نتوقع او نستسيغ , وعالم صار يرى في العربي والمسلم خطرا يتهدد حياته ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
أعرف أن النصيحة متأخرة وأن القرار قد يكون صعبا، لكنه ممكن وليس مستحيلا عندما تكبر الحكمة في صدور الرجال الحكماء الذين تهون عندهم المغانم كلها في سبيل الوطن ولم شمل مواطنيه , خلف قيادته التي لا يملك أحد إنكار سماحتها وكريم إنتسابها ونسبها وسهرها على أن يبقى الاردن موحدا وصلبا في مواجهة التحديات على جسامتها وما أكثرها في هذا الزمان المنفلت من عقاله . الله جل في علاه من وراء القصد.