سيبدو المشهد كوميديا اذا تخيلنا رئيسا او جنرالا يوجه نداء الى عمال العالم الذين لم يتحدوا بأن يستديروا الى اليمين، لكن ما حدث بالفعل بعد ان اضافت الرأسمالية الى انيابها ومخالبها انيابا ومخالب من فولاذ هو ان الاحلام الكبرى التي ملأت العالم في خمسينيات وستينيات القرن الماضي اصابها الذبول .
وما ان بلغ الاتحاد السوفييتي خريفه حتى تساقطت اوراق وكتب وشعارات عديدة في العالم، واصبح اليسار مهددا ببطالة من نوع جديد؛ ما اضطر الكثيرين الى ما يسمونه تغيير الخنادق فاتجهوا الى البيئة والمناخ وما تبقى من حقوق الانسان، لكن الايديولوجيا حين تكون عزلاء فهي اقرب الى الفولكلور تتغلب فيها الطقوس على المضمون لهذا اصبح يساريون كثيرون فريسة للنوستالجيا وسرد الذكريات فالتاريخ ليس حتميا في صيرورته ومجراه بحيث ينوب عن المعذبين والاشقياء في هذا الكوكب المُحتل .
لقد لبى كثير من اليساريين النداء واستداروا الى اليمين خصوصا بعد ان اصبحت كتابة المذكرات شبه الاعتذارية نافذة للهرب كتلك التي كانت في مؤخرة الباصات الخشبية قبل ستة عقود !
لكن من اكثر المفارقات التي سوف تستوقف المؤرخين هي السرعة التي سقطت فيها قشرة الايديولوجيا لتتضح تحتها الطائفة على طريقة مثل فرنسي يقول اقشر الرخام يظهر تحته الجص والطين !
وما من عالم فيزياء قال لنا حتى الان لماذا كان هذا الكوكب يدور من اليمين الى اليسار او العكس .
ان ما جرى في هذا العالم خلال عقدين من الزمن هو اضعاف ما جرى لهيروشيما وناجازاكي لكن الاصابات في الدماغ والنفس والابادة بيضاء وسلمية لأن ضحاياها يتكلمون ويأكلون ويشربون ويثرثرون داخل قبورهم كالسلاحف !!
الدستور