قبيل مغادرتي حاضنتي الأولى... حاضنة العلم والعلماء التي صدّرت للوطن وللأمة العلماء والباحثين والكفاءات العلمية والعملية في الحقول كافة... وبعد ان دفعتني الاقدار للسفر خارج الوطن الحبيب... اكتب شهادتي من باب مسؤولياتي تجاه « اليرموك «... وتركت بصماتها المضيئة نورا متدفقا في قلبي وعقلي.. فانني سأمضي وانا اضمها بين الرمش والعين ، وتعيش معي في حلي وترحالي ، واحتضنها في قلبي ووجداني وضميري.
ومن باب الوفاء والاخلاص والولاء لهذه المنارة ، ومن باب اداء شهادة الحق الذي يظهر و ينير عتمة الباطل الذي لا بد ان يتقهقر ، وبكل امانة ووفاء فانني اسكب عصارة روحي عبر ثنايا احرفي التي تتمازج كما الروح في الجسد في كيان عباراتي ، مستعرضا جانباً من الصورة التي عشقت واحببت ، بعد ان اصبحت هويتي ومن اجزاء تكويني ، وبيتي وحاضنتي ، ومن هنا فلا بد من اداء كلمة الحق من باب الامانة والمسؤولية الملقاة على كل واحد ينتسب اليها.
فقد شاءت الأقدار أن أكون شاهداً وعاملاً في بدايات الثمانينات من القرن الماضي.... الذي وصلت فيه اليرموك الى تصدر المشهد العلمي الأكاديمي الأردني، بما قدمته ادارتها الرشيدة و العاملون فيها من عطاءات تبوأت بسببه مكانتها اللائقة محلياً وعربياً وحتى عالمياً.
واليوم....فإن اليرموك الجامعة...يرموك العلم والمنارة التي حاكت منذ تأسيسها خوالد أيامنا المجيدة، تعود الى سوابق عطاءاتها وإبداعاتها وإنجازاتها.... تقودها إدارة تغفو هدباتها على الوجع الذي آلمها، ويعتصر فؤادها مآلاتها، التي إنحدرت حتى أوشكت أقسام أكاديمية عتيدة أن تلغى من سفرها الرصين، «زاد عددها عن عشرين قسماً»، فتعاملت هذه الإدارة الواعية المدركة لحجم وعظم مسؤولياتها منذ اليوم الأول لتسلمها مهام الإدارة...مع المسؤولية بكل أمانة وإخلاص، لاسيما وأن ربانها كان من بين طلبتها ومبعوثيها المتفوقين ومن قاماتها العلمية الي أرست البنيان في بداياتها أستاذاً وفي هرم المسؤولية نائباً للرئيس.
فالأنانية والمصلحية والمكاسب التي تسعى لها القيادات الإدارية في كثير من الأحيان كانت على مفترق طرق مع هذا العهد الذي زاده « نعيق الغربان « عزماً ومضاء لوضع القافلة على مسارها الذي ما إنفكت تتوق اليه، لإنها منذ البدايات كانت مع المجد صنوان، وكانت إحدى أهم روافع التقدم العلمي والأكاديمي في الأردن والخارج أيضاً.
إن ما تحقق خلال عام واحد فقط يكاد يكون إعجازياً في سفر الجامعات وغيرها من المؤسسات، ولن أعدد تفاصيل ما تحقق لأن النحت في الصخر كان أسهل من إنجازه، خاصة وأن قوى الشد العكسي شدّت للمراوحة في المكان والنكوص للوراء، فقوبلت بإدارة الأمل التي إستحضرت الخبرة والكفاءة والريادة والإبداع والمحبة، لتنهض بالحاضر حتى ينعم الآخرون به ويرفلون بظلاله.
لقد واكبت جميع رؤساء جامعة اليرموك منذ زمن أول رئيس لها الدكتور عدنان بدران أطال الله عمره وحتى اليوم، فلم أشهد سهاماً وأبواقاً تسابقت وترادحت للنيل من الإنجاز والعطاء الذي تشهده الجامعة الآن والذي يطول وصفه، لاسيما وأنه جعل من الأقسام والكليات والمراكز والدوائر في الجامعة خلايا عطاء متواصل لا ينضب، وصفها إحد الزملاء في كلية الإعلام في إجتماع رسمي حاشد « أننا عملنا في عام ما لم نعمله في 30 عاما «.
أغادر «اليرموك» عشقي الأزلي وهي في روحي وضميري، وكلي ثقة وإطمئنان أن « العالمية» قادمة لها، لأن الساعي عليها جدّه كبير وعطاؤه أكبر، يسنده نفر من الغيارى الذين تسري « اليرموك « في نبضات قلوبهم ويضمونها بحدقات عيونهم.
أما وأني اليوم أضع قدماً في السفر للعمل في خارج البلاد، فإني أقطع الطريق على الذين إعتادوا على وضع العصي بالدواليب وذلك عندما أكتب عن بيتنا الكبير....مؤسستنا العلمية العريقة الرائدة...جامعة اليرموك، لأنني لطالما ترددت في الكتابة رغم ضرورتها، قطعاً للألسن والأقلام التي إعتادت المسير بالظلمات، وإغتيال النجاحات، لا سيما وأنني كنت ضمن فريق إدارة الجامعة « مجلس العمداء»، قريباً من صنع القرار الموضوعي الملتزم بمصلحة الجامعة وعلى « المسطرة ».
لقد سطرت ما سبق آنفاً للتاريخ، فقد تشاء الأقدار أن لا أعود لليرموك، واذا ما عدت قد يكون ربانها غادر المكان، وذلك قطعاً للطريق على الذين إعتادوا الحياة في غير أشراطها، ولا أريد من كلمة الحق هذه الا إظهار الحق وإنصاف المسيرة التي ستصل بعون الله وإرادة الخيرين الى مبتغاها.
"الراي"