عندما سقطت الامبراطورية العثمانية، قسمت القوى الاستعمارية ممتلكاتها الى دول،طبقا لمكونات تاريخية او جغرافية او سكانية، وطبقا لمفهوم الدولة الغربي بعد سقوط الامبراطوريات النمساوية والمجرية وغيرها، فيما يعرف بمعاهدة سايكس وبيكو.
ثم قامت حركات التحرر الوطني لطرد المستعمر من كل ارجاء الوطن العربي والعالم الاسلامي، حتى تصبح الدول الوطنية دولا ذات سيادة فعلية وليست مجرد اشكال سياسية.
نشأت حركات المقاومة لطرد القوات الاجنبية من البلاد
استقلت الدول وتحول رؤساء الحركات الوطنية الى رؤساء لها بفعل المقاومة والتاريخ.
سرعان ما ضعفت هذه الدول الجديدة، لما طرأ عليها من نظم عسكرية استبدادية او فساد اقتصادي، كما نشبت بين كل دولة وجيرانها مناوشات عسكرية، خلافا على الحدود، مثل المغرب والجزائر على واحة تندوف، وليبيا ومصر على قبائل اولاد علي،ومصر والسودان على حلايب وشلاتين ووادي حلفا، والامارات وعمان على واحة البريمي، وقطر والبحرين حول بعض الجزر، والكويت والسعودية حول الخفجة والمنطقة المحايدة، والكويت والعراق حول حقول الرميلة وآبار النفط شمال الكويت وجنوب العراق، ومصر وفلسطين حول مثلث العوجا،وسوريا وفلسطين حول وادي الحمة،ناهيك عن احتلال بعض اجزاء الوطن من قبل ايران وتركيا واسبانيا.
بدأ تفتيت الوطن العربي باحتلال جزء من فلسطين عام 1948وطرد شعبه واسكانهم بمخيمات وانشاء دولة اسرائيل،وضاع نصف فلسطين واحتل النصف الآخر عام 1967وزرعت كلها مستوطنات حتى لم يبق بها الا كنتونات وجزر عربية منعزلة، مواطنون من الدرجة الثانية، كالهنود الحمر او السود في الولايات المتحدة الامريكية وقبل اعلان حقوق الانسان،او في جنوب افريقيا قبل الاستقلال.
تم انشاء دولة اسرائيل كخنجر في خاصرة الوطن العربي لتعيث فسادا في كل ارجاء الوطن العربي.
تم الاعتداء الثلاثي على مصر عام 1956ردا على تأميم قناة السويس.
نادى عبدالناصر بالقومية العربية، وقوى نفسه مع دول عدم الانحياز، مصر والهند ويوغسلافيا واندونيسيا.
قامت حركات التحرر في المغرب العربي على يد عبد القادر الجزائري وعبد الكريم الابراهيمي وعمر المختار،عسكريا وثقافيا ضد الاستعمار الفرنسي،وانبعثت الروح في بلاد الشام،على يد سلطان الاطرش وعزالدين القسام،وظهور حزب الامة في السودان والائمة في اليمن ضد الاستعمار البريطاني.
اعيدت الكرة لمزيد من تفتيت الوطن العربي فقامت الولايات المتحدة وحلفاؤها بضرب العراق وتفتيت سوريا وليبيا واليمن والسودان .
بعد تجزئة الوطن العربي الكبير،استبد الحكام والنظم السلطوية ولم يعد للشعب اي دور للحكم،وفرضوا روايتهم الاحادية المتهافتة للاحداث بغرض تزييف وعي الناس .
يوظفون تمريرهم لقوانين وسياسات وقرارات تجرم او تمنع حرية تداول الحقائق والمعلومات لكي يمعنوا في السيطرة والتحكم الفردي .
ينكرون القمع او يصفونه كتجاوزات فردية،او يبررونه كضرورة لضمان الامن وتثبيت دعائم نظام الحكم وصون مؤسسات الدولة وحمايتها .
انهم يتمادون في القمع ويورطون مؤسسات واجهزة الدولة في سلب حرية الناس وانتهاك حقوقهم وكرامتهم الانسانية .
ان النتيجة الوحيدة لأنشاء جمهورية الخوف التي يسعون لتأسيسها،تنقلب الى جمهورية خوف خائفة،ويتحول الحكام من مدعي قدرات بطولية الى مذعورين من المواطن والاشتباه في عموم المجتمع .
ليرتاح الحاكم والمحكوم لا بد من العدالة الاجتماعية والحكم الديموقراطي واعطاء كل ذي حق حقه .
نعود لذاكرة التاريخ،حيث كانت اوروبا تئن تحت حكم الكنيسة وصكوك الغفران ولم يقم لها قائمة الا بالتخلص من ذلك النظام والثورة على الكنيسة وحكمها،ونادت بالقوميات،وقامت الثورة الصناعية في فرنسا سنة 1789م لتحرر شعبها،وتنقذه من الاستبداد والظلم وتأسست مبادئ الديموقراطية والحرية
قامت حربان عالميتان لتحرق الاخضر واليابس وتدمر اوروبا والعالم .
في النهاية جسد ديغول روح فرنسا,بعد هزيمتها امام المانيا،معيدا ذكرى نابليون وتجسيده الثورة الفرنسية خارج حدودها,فأنبرى الفلاسفة الالمان مثل فشته يجسدون روح ألمانيا،وهيجل لتجسيد وحدتها،ووضع فشته فلسفة للمقاومة في نداءات للشعب الالماني لينفض عنه غبار الحروب والدمار .
قامت كل دولة بعمل ميثاق لها يجسد حكم الشعب بعيدا عن اي تدخل الا لمصلحة امتهم.
نهضت بلدانهم وتطورت صناعاتهم واصبحوا قوة لا يستهان بها.
الوطن هو المكان الذي تصان فيه كرامة الانسان،وينتقل فيه بحرية تامة كما يشاء بلا هوية او جواز سفر .
نعود الى ما كنا نتعلم في المدارس الابتدائية في حب الوطن قول الشاعر فخري البارودي :
بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان
ومن نجد الى يمن الى مصر فتطوان
فلا حد يباعدنا ولا دين يفرقنا
لسان الضاد يجمعنا بغسان وعدنان
لنا مدنية سلفت سنحييها وان دثرت
ولو في وجهها وقفت دهاة الانس والجان
فهبوا يابني قومي الى العلياء بالعلم
وغنوا يا بني امي بلاد العرب اوطاني
dr.sami.alrashid@gmail.com