مقال " المتدهدهون " ، جعبة خاوية وقطار فائت
سامر حيدر المجالي
07-09-2008 03:00 AM
ما بين مصطلح شاذ لا يمُتُّ إلى معاجم العربية بصلة ، أُريدَ من خلاله التغطية على قحط لغوي شامل وضعف في مبنى المقال وعبارته ، وفكرة متعالية أقامت الكاتبة خلالها نفسها حكما على النوايا والسرائر بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ، ما بين هذين الشذوذين كان مقال السيدة زليخة أبو ريشة في جريدة الغد ، الذي حمل عنوان " المتدهدهون " ، وكانت هذه الوقفة .
ثمة مشكلة كبيرة تلازم نفرا من الكتاب الذين تعودوا التطرق لمظاهر التدين عند بسطاء الناس وعامتهم ، المشكلة تكمن في عجزهم عن تجديد خطابهم ومواكبة الزمن الذي تتغير معطياته يوما بعد يوم ، وتكرارهم موضوعا واحدا لا يتغير أبدا ، يتحركون خلاله ضمن ثالوث معروف هو فحوى نقدهم ومرمى سهامهم : الإسلام السياسي ، اللحية والثوب القصير ، وحجاب المرأة . محاور ثابتة لا يتوانون عن مهاجمتها والغمز واللمز من جهتها ، ضمن حملة لا تهدأ أبدا ، وتكرار ممل الى أبعد الحدود .
مشكلة تكرار الأفكار هذه ، تدل على جعبة خاوية من الموضوعات التي تستحق الطرح ، سببها تكلس في البنيان الفكري الذي يبدو أنه سكن منذ زمن بعيد منطقة من الوعي ، فلم يعد قادرا على مغادرتها . هذه المشكلة تقدح في مسألة الثقافة أصلا ، فما دام الزمن متوقفا عند هؤلاء النفر من الكتاب ، والموضوعات لا تتغير ، والتجديد معدوما ، هذه الصورة البائسة تجعل من الكاتب ( حكواتيا ) لا أكثر ، يحدثك حديثا تحفظه عن ظهر قلب ، تعرف مبتدأه ومنتهاه ، وتدرك من أول كلمة مراميه وأغراضه .
هذا من ناحية التكرار ، أما من ناحية فحوى الحديث ، فلعل الكثيرين يتفقون مع صاحبة المقال في أن بعض الذين يتمظهرون بمظاهر الدين والسنة يسيئون بتصرفاتهم ولهاثهم وراء مصالحهم الشخصية إلى الدين والمتدينين .
قد يخفي الحجاب وراءه ما لا يعلمه إلا الله ، وقد يتسربل بالدشداشة أشد الناس نفاقا وعتوا ، وقد يطالب بتطبيق الشريعة من لا يقيم أبسط المبادئ الأخلاقية في حياته الشخصية . غير أن هذا لا يمنع أن لهذه المظاهر قدسية خاصة ، وأن في مقابل المسيء محسنين كثرا ، وأن بعضها إن لم يكن فرضا فهو يمثل مرتقيات في طريق التدين والقرب من الله .
فيجدر بمن يريد أن يقترب من هذه المظاهر نقدا أو إصلاحا ، أن يُظهر موقفه كاملا ، فلا يكتفي بإبراز الجانب المظلم مع حشو كلامه بمصطلحات الهمز واللمز والتحقير والغمز ، ثم يترك ما تبقى فريسة للظنون والشكوك . كان يجدر كذلك بالكاتبة التي يبدو أنها لا تعرف الفرق بين القراءة والتلاوة ومدلول كل واحدة منهما ، كما بدا ذلك واضحا في حديثها عن ( الأشرطة المسجلة التي عليها ألوان من القراءات القرآنية ) ، وهذا جهل فاضح لا يمكن رده إلى مجرد المخزون اللغوي المجدب في المقال . نقول كان عليها أن تكون أكثر حرصا عند تناول هذا الموضوع ، وأن تعلم أن نسبة الأصوات القبيحة إلى تلاوة القرآن – حتى لو افترضنا جدلا أن في السوق أشرطة تتلو القرآن بصوت غير جميل – عمل يخلو من توقير هذا الكتاب العزيز واحترامه .
يضاف إلى ذلك أن القرآن ليس مجرد كتاب جمالي يتأمله المسلم من أجل الاستمتاع فقط ، فهو وان كان جماليا إلا أنه قبل ذلك كتاب تشريع وعظة واعتبار ، ووسيلة يتفكر الإنسان من خلالها في عظمة الخالق وهيمنته على سنن الكون ومجرياته .
عيدية السيدة زليخة للقراء في ثاني أيام الشهر الفضيل لم تكن في محلها ، وهي ب ( تهويشها ) وتركها مساحة كبيرة للظن وتأويل الكلمات المستخدمة في غير مكانها الصحيح ، تفتح مجالا واسعا للخطر الذي حذَّرَتْ هي منه ، أي خطر التكفيريين الذين يبحثون بطبيعتهم عن هكذا أسلوب مبهم ومساحات غائمة ليطلقوا بناء عليها سهام تكفيرهم ومبررات أحكامهم .
التكفيريون يفهمون الدين انطلاقا من نظرة مغلقة وجهل بأحكامه وقواعده ، وبعض الكتاب يتعاطون مع الدين أيضا بدون حد أدنى من العلم به والاطلاع على شؤونه . كلا الطرفين يقيم نفسه حكما على النوايا والسرائر ويمعن في وصم الآخرين بشتى ألوان النقائص . كلا النظرتين مغلقة على نفسها ، وأصحابها - في الإتجاهين - يخدمون الهدف نفسه .
samhm111@hotmail.com