لفت انتباهي شعار لإحدى القوائم الانتخابية (عمل بلا شعارات) ، واظن ان اسعفتني الذاكرة ان اكثر من مرشح قد رفع في انتخابات سابقة نفس الشعار، وكانت العبارة ربما (بدون شعارات).
حاولت تفسير فكرة هذا الشعار والدوافع التي املته، اذ كيف يمكن ان يخوض مرشح منافسة انتخابية بدون شعار يختصر البرنامج الانتخابي ويوضح معالمه، والا ما جدوى
الحملة الاعلامية والاعلانية في الانتخابات.
وبعد عسر فهم واجتهاد بالتفسير وجدت ان مثل هذا الشعار قد يعبر عن احد امرين، الاول محاولة الابتعاد عن تهمة الشعارات التي اصبحت دارجة على لسان الجميع، والتي يعبر عنها بالقول " بكفي ما بدنا شعارات بدنا عمل".
والثاني ان صاحب الشعار يريد ان يكون اقرب الى الواقع في الشعار الذي يختاره في ظل المعطيات القائمة، ومنها ان اغلب الشعارات ومهما كانت واقعية من الصعوبة ان يتم تحقيقها من خلال البرلمان، وهذا ينطوي على اعتراف بضعف اداء البرلمان وعدم القدرة على الرهان. الى هنا تنتهي هذه الملاحظة التي لا علاقة لها بالاستنتاجات التابعة للمقال.
ما يلفت الانتباه فعليا، ذلك الاجماع بين الناس والناخبين على معاداة الشعارات التي يرفعها المرشحون وعدم النظر اليها بجدية ولو بالدرجة الدنيا. نسمع هذا كثيرا في المقابلات التي تجري عبر الاذاعة والتلفزيون وفي الاحاديث العامة، الى الدرجة التي بات فيها الشعار متهما ويثير حفيظة الناخبين ويذكرهم بخيبة املهم التاريخية من الشعارات.
على الجانب الاخر للقضية يبدو ان هناك تحويرا جوهريا قد طرأ، وبالتالي اصبح الشعار متهما بدل ان يكون ضرورة اساسية لا بد منها في اي منافسة انتخابية، لان الشعار هو رسالة المرشح فردا كان او حزبا او جماعة، ويحمل في كلماته القليلة والمكثفة اكبر كم من التعبير عن البرنامج الانتخابي وعن هوية المرشح ، وبالتالي لا يمكن الاستغناء عنه.
اهمية الشعار دفعت العديد من الدول الغربية لفتح تخصصات في هذا المجال، وبات هناك خبراء في هذا الشأن يقدمون خبراتهم الى المرشحين مقابل اموال كبيرة، وفي الآونة الاخيرة بدأت بعض المنظمات الدولية المتخصصة في هذه المجالات بالإسهام في عقد دورات تدريبية للمرشحين في دول اخرى على هذا المجال، وتعطي اهمية وتركيز مبالغ فيه على ادارة الحملات الاعلامية الانتخابية ومركزية الشعار او الرسالة فيها.
وبالعودة الى موضوعنا فان السؤال الاهم يكمن ليس بالشعار وكلماته ومدى مصداقيتها، وانما بالأطراف التي خانت الشعار وتلك التي استخفت به، ويكمن بمقدار تراكم قيم الصدق مع الذات، واحترام التعهدات، والخشية من عدم الالتزام بها امام النفس والاخر.
وهنا تكمن القضية، فالناخب الذي بات لسانه يقول "بكفي ما بدنا شعارات" هو من اسس للاستخفاف بالشعار، لأنه لم يحاسب في يوم من الايام مرشحه على الشعار الذي رفعه دون ان يعمل اي شيء من اجل تحقيقه، واذا عدنا للأصل فالناخب لم ينتخبه وفق برنامجه او شعاره، وانما اختاره لأسباب اخرى لا علاقة لها بالأسباب التي ينبغي ان يحتكم اليها في اختيار اي مرشح.
ولذلك لم يعد المرشح في حرج من رفع اي شعار، بل على العكس اصبح الشعار مثل البهارات، ويتم اختياره حسب المذاق العام، دون ادنى شعور بالمسؤولية او الحرج من امكانية تطبيقه او العمل من اجله.
من هنا تتكرس القاعدة الرئيسية التي تقول السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، فالناخب يمنح المرشح او النائب سلطة مطلقة لا محاسبة فيها ولا مراجعة فيها ولا تدقيق ويعيد انتخاب من تجاهل شعاره لأسباب واهية، ولذلك اصبح الشعار مدانا ومستخفا به، واصبح المذنب خارج حدود المساءلة.
طالما ان الناخب لا يحاسب ممثله في البرلمان، كيف لنا ان نطالب النائب بمحاسبة المسؤول، وطالما ان الانتخاب على الهوية الفرعية فما معنى ان يكون للحملة الانتخابية شعار اقوى من ما ورد في المثل الشعبي عد رجالك ورد الماء.
من الذي خان الشعار واستخف به الناخب ام النائب سؤال لكم معشر الناخبين؟؟