"مشروع أردوغان" من الحلم إلى الصدمة
رجا طلب
26-08-2016 11:04 PM
دخل المشهد الإقليمي مرحلة الحسم بعد مرحلة طويلة من عدم الوضوح والضبابية وتحديداً فيما يخص الملف السوري والأطراف المعنية به، ويمكن القول إن أكثر الأطراف التي أقدمت على خلق تفاهمات وقواعد جديدة للعبة في سوريا والإقليم كان الطرف التركي الذي قام خلال أقل من شهر على إنهاء الخصومة العنيدة مع روسيا، كما أنهى القطيعة مع إسرائيل، وأعاد بعضاً من الدفء إلى العلاقة مع طهران بعد فترة طويلة من البرودة وفقدان الثقة والتناقض في المواقف.
أعتقد أن هناك عدة عوامل كان لها التأثير الكبير على سلوك أردوغان ومن أبرزها:
أولاً: نجاح التكتيك الروسي في "غض النظر" عن تنامي القوة الكردية على الحدود مع تركيا بل ودعم الحزب الديموقراطي الكردي والتفاهم مع واشنطن بشأنه وهو ما أثار مخاوف أنقرة من إمكانية سيطرة الحزب على الحدود السورية – التركية.
ثانياً: وقوع أردوغان في "بئر الأزمات" بسبب سياسته حيال الملف السوري مع كل من واشنطن التي تدعم علناً حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، ومع روسيا بسبب إسقاط طائرة السوخوي قبل عدة أشهر، وفشل الفصائل التابعة لتركيا من تحقيق أية نتائج ميدانية حاسمة على الأرض تكون قادرة على تغيير المعادلة لصالح أنقرة على الأقل سياسياً.
ثالثاً: فقدان نظام أردوغان لمصداقيته في موضوع محاربة الإرهاب، وتوفر الكثير من الأدلة على تورطه في تسهيل مهام داعش داخل سوريا عسكرياً واقتصادياً ومن أبرزها موضوع بيع النفط السوري لتركيا وتهريب الآثار السورية وغيرها من الأدلة التي رصدتها أقمار التجسس الروسية والأميركية.
رابعاً: محاولة الانقلاب التي جرت ضد نظامه مؤخراً وإدانة كل من روسيا وطهران لها وتقديمهما الدعم الاستخباري لأنقرة وهو ما اعتبره أردوغان بمثابة "الشماتة الإيجابية " والثمن المطلوب للرد عليها هي جملة من التنازلات والتفاهمات تنهي فكرة الكماشة الجغرافية التي تطوقه من إيران وروسيا.
والسؤال الكبير ماذا يريد أردوغان بعد كل هذه التنازلات أمام القوى الإقليمية المؤثرة في المعادلة السورية وهي بالدرجة الأولى روسيا وإيران وإلى حد ما إسرائيل ؟
أهداف أردوغان بعد فشل سياسته الهجومية المتمثلة في دعم "الإسلام السياسي" بشقيه "المعتدل " أي الإخوان المسلمين، والمتطرف المتمثل بداعش، هو ما يلي وفق منطق أقل الخسائر:
أولاً: منع تقسيم سوريا لمنع إقامة نظام فيدرالي فيها يُمكن الكرد من إقامة كيان خاص بهم يؤسس إلى تشريع وجود دولة كردية جديدة على خارطة الشرق الأوسط تشمل إيران وتركيا وسوريا والعراق وهو هم مشترك للأطراف الثلاثة معاً.
ثانياً: بات أردوغان على قناعة تامة بأن تحقيق الهدف المشار إليه لا يمكن أن يتحقق إلا بفتح قنوات مع نظام بشار الأسد ولربما التصالح معه وهو أمر بدأت أنقرة تشير اليه بدرجة عالية من الوضوح بدون مواربة أو خجل.
في المحصلة، فقد كانت نتيجة ست سنوات من عناد أردوغان وخصومته مع الإقليم منذ بداية ما سمي "بالربيع العربي" إلى اليوم جملة من التنازلات بدأت مع روسيا واستكملت مع إيران ووصلت إسرائيل، وعاجلا أم آجلا ستكون مع النظام السوري نفسه، ومن المهم التوقف هنا عند التصريحات الرسمية التركية التي بدأها رئيس الوزراء علي يلديريم والتي تنازل فيها عن شرط إسقاط بشار الأسد من السلطة كجزء من "الحل في سوريا".
إن فشل مشروع أردوغان السياسي والذي يعد الرافعة الأقوى للإسلام السياسي السني بكل درجاته يعد مرحلة جديدة في تاريخ المنطقة كما يعد بكل الأحوال نتيجة صادمة للرئيس الأميركي القادم "هيلاري كلينتون" التي أشرفت على هذا المشروع ورعته والتي كانت تنتظر أن تحصد نتائجه خلال فترة رئاستها .
24