يأتي الملك ليأمر بمائتي دينار لكل عسكري عامل او متقاعد ، ومع المائتين ، مائة اخرى تم دفعها كذلك للعاملين في الدولة بمن فيهم العسكريون ، ليكون المجموع مائة وستين مليون دينار تقريبا.
بالمقابل قامت عشرات الشركات في القطاع الخاص بدفع مبالغ للعاملين فيها ، حدها الادنى مائة دينار ، ويقدر خبراء المبالغ التي دفعتها شركات في القطاع الخاص بعدة ملايين ، كلها استجابة لتوجيه الملك ، ومع هذه المبالغ طرود الخير الملكية ، وعشرات الاف الطرود الخيرية التي يوزعها مواطنون ومحسنون ، وملايين الدنانير التي ينفقها متبرعون في رمضان ، على اوجه الخير ، عبر لجان خيرية او مؤسسات او منح وغير ذلك من وسائل ، ويضاف الى ما سبق موازنة الديوان الملكي المخصصة للانفاق على العلاج والمنح الدارسية او التخصيصات الملكية للمشاريع ، وايضا موازنة التنمية الاجتماعية والمعونة الوطنية ، وتكية ام علي ، وما تنفقه جمعية المركز الخيري الاسلامي وحجم استثماراتها ، ومئات الجمعيات الخيرية الاخرى ، ومئات المتبرعين العرب الذين ينفقون اموالهم في الاردن ، لاكتشفنا بعد كل هذا ان حجم المبالغ التي يتم رصدها للناس خارح المنتظر والمتوقع ، قد تصل في بعض الحالات الى مليار دولار ، ولو حسبنا بشكل دقيق كلف المبادرات الملكية ، وكلف الاموال المخصصة لها ، لوجدناها انها تكلف مبالغ مالية طائلة ، وليس ادل على ذلك من ان اخر لفتتين كلفتا ما يزيد عن مائة وستين مليون دينار.
القصد من الكلام ، هو ان هناك فقرا ، وهناك مقابله انفاق هائل من جانب مئات الجهات والاشخاص والمؤسسات ، وهذه المبالغ التي يتم انفاقها تذهب في النهاية الى السوق ويتم تدويرها بين ايدي الناس ، وتنعكس ايجابيا على حركة السوق ، وتترك اثرا سياسيا واجتماعيا هائلا ، ليس اقله الرضى الذي تقرأه على وجوه العسكر العاملين والمتقاعدين حين اسعفهم الملك على وجه المدارس ورمضان والعيد ، والقصد من الكلام اننا اذا قمنا بدراسة حجم المبالغ التي يتم انفاقها خلال السنة ، تحت مسميات مختلفة ، ومن جهات مختلفة لاكتشفنا انه انفاق كبير جدا ، يفوق دولا بترولية في بعض الحالات ، لكننا نكتشف بالمقابل ان هناك توجيها لانفاق المال عبر اشكال محددة ، وحجم الاموال التي ينفقها متبرعون على طرود الخير ، كبيرة جدا الى الدرجة التي كان من الاجدى تخصيصها لتعليم الطلاب ، ونكتشف ايضا ان الجزء الاكبر من الانفاق على الاطفال يذهب للايتام وتتكرر المعونات عبر وسائل عدة ، فالجميع يركز على الايتام ، فيما يغيب الدعم عن نوعيات اخرى محتاجة.
الخلاصة هي في وجود انفاق هائل على الناس عبر الدولة ومؤسساتها والقطاع الخاص والمتبرعون ، غير ان هذا الانفاق يعاني من بعض التشوهات في اوجه انفاقه ووصوله ، واليوم انا بصراحة مع العمل التنموي الذي يقدم للناس فرصا تشغيلية وتنمية لمهارات محددة بدلا من سياسة الحقن بالمساعدات ، خصوصا ، انني اكتشفت عشرات الادلة على ان الحقن بالمال او المساعدات العينية لا يغير من واقع العائلات ، وكان من الاولى ان يتم التركيز على انتشال العائلات بتعليم من فيها ووضعهم امام فرص عمل حقيقية ، الامر ينطبق على عدم وجود شبكة معلوماتية ، تجعل كل جهة تعرف عن الجهة الاخرى...ماذا قدمت ، لهذه العائلة او تلك ، حتى لا نصحو ونكتشف ان هناك عائلات تحصل على الحد الادنى ، وهناك عائلات تحصل على اضعاف حصتها ، عبر الدولة والقطاع الخاص والمساجد والمتبرعين ، وعندها نحتار بسر الانفاق الهائل الذي يسأل البعض لماذا لا نرى نتائجه على الناس.
رمضان كريم ، والله عز وجل يكرم الفقراء وكل من كان دخله قليلا ، غير اننا يجب اليوم ان نجلس لنسأل الاسئلة حول سر اختلال المعادلة بين الانفاق الهائل ، وعدم رؤية نتائج كما نفترض على ارض الواقع ، على حياة الناس... ولو حسبنا الاموال التي انفقها القطاع الخاص فقط والمتبرعون ومخصصات المعونة الوطنية خلال العقد الاخير لاكتشفنا اننا هدرنا مليارات دون ان نرى نتائجها على الارض.
m.tair@addustour.com.jo