خواطر شخصية عن فلم الإرهاب و الكباب
فراس الور
26-08-2016 01:02 PM
كتب في صيف عام 2012
من مُنْطَلَق حُبي لِمِصر و إنجازاتها العريقة في حياة العُروبَة كانت لي هذه الخواطر عن مُجريات ثورة ميدان التحرير العريقة و بالذات مع الًا مَعْقول الذي ساد قَبْلَها، فَهِذِه الخواطر هي عامة و ليس المَقْصود مِنْها بَحْث مُعَمًق في الشؤؤن المِصرية لأن الإعلام المصري القوي كشف ما لم يكشفه اي اعلام في اي دولة ثانية عن حياة دولته السياسية و خصوصا بما يختص بمجريات الثورة...ثورة زحف بعد الإعلان عنها ملايين من الشبان و المواطنين الى أكبر ميادين القاهرة ليصرخوا بوجه الطغيان للعالم كله عن كم هم مهملون...عن كم يرزحون تحت ثقل الفقر و الجوع و قلة التعليم بسبب الإهمال، و مع كل اسف حصلت بيعة خطيرة...بين حكام البيت الابيض الذي يسكنه ساسه ذوي قلوب قاسية جدا لا تعرف الرحمة و بين جماعات متشددة فكريا و حزبياً لا تعرف سوى قتل من لا يؤمن بها و تكفير اي ثقافة لا تشاطرها مبادئها...بيعة قاسية حلت على مصر فاعتلى سدة الحكم نوعية من البشر تتمتع بفكر سياسي عتيق لا يصلح لعصرنا و غريب عن ما ينادي به ميثاق الامم المتحدة، فحصل تباين على عدة اصعدة بالحياة السياسية و الدينية بالقاهرة، فعلى الصعيد الديني حصل شرخ كبير بين مدرسة الإسلام الوسطي و بين المتشددين الذين ينادوا بإرساء قواعد الدولة الإسلامية من جديد، فأداء الإخوان بالحكم لم يعجب الأعلبية بمصر فَلِسَنَة كاملة بقية الأحوال كما هي على الصعيد الإقتصادي ليصل حجم العجز بالميزانية لمستويات تقشعر له الابدان، و ليبلغ التضخم بالعملة الى مستوى لم تشهده مصر من قبل، بل بالعكس عدم مقدرة السلطة الحاكمة وقت حكم الدكتور مرسي التصالح مع المعارضة التي كانت تتألف من تيارات الإسلام الوسطي و الليبرالية سبب احتقانات سياسية اربكت الحياة السياسية و احرجت الحَوْزاتْ الدينية بمصر، فانعكس هذا على الشارع العام بمصر و خلق أزمات و صراع ترجمته الأطراف الإخوانية و المعارضة الى مظاهرات متكررة اضعفت الإقتصاد المصري بصورة كبيرة، فَقِلًةْ السلام لم تُشَجِعْ الشركات و البنوك و المؤسسات التجارية التي اقفلت ابوابها بعد الثورة المصرية بالعودة الى القاهرة بهذه الأوقات التي تحتاج بها القاهرة الى معونتها، فكانت هذه الظروف سبب ثاني لكي يسحب الشارع المصري ثقته من النظام الحاكم الإخواني،
و هنالك أزمة ثانية خلقها حكم الإخوان لمصر، فبعد باع هذه الدولة العريق و الطويل بعالم الفنون و الدراما و الذي يبلغ من العمر مائة و خمسة سنوات نطق هؤلاء القوم كلمتهم و انهوا عن هذه المهنة في خطوة غير موفقة إطلاقا، فبعد ان كانت القاهرة حاضنت أكبر حركة درامية و مسرح في الوطن العربي و بعد هذا المشوار الشبه الدهري في عالم الفنون أتوا من مزاجهم يميل بعكس هذه الحركة و وظفوا الدين بغير مكانه ليستخدموه درعا للنهي عن الفنون التي سادت قبلا بالقاهرة، و مع كل أسف لعل ما حصل من مشاكل بين الداعية عبدالله بدر و الفنانة الهام شاهين أخفق بإقناع الناس بوجهة نظر هذا الداعية، فالحملة أكسبت الفنانة الهام تعاطفا كبيرا سواء داخل مصر او خارجها، فحمهورها و لفيف اصدقائها وقف الى جانبها كثيرا و حتى الذين لم يتابعوا اعمالها احسوا بالجرح الذي تعاني منه و حجم الإهانة الغير مبررة التي تعرضت له فوقفوا معها ايضا،
أما للذي تابع القاهرة و أخبارها السياسية و الإقتصادية شعر ان الثورة قادمة، فهذا شيئ لم يكن عليه جدل إطلاقا فالكل في داخل مصر و خارجها علم ان الاوضاع التي سادت القاهرة من فقر و بطالة كانت بإزدياد رهيب، فإحصايئيات الأمم المتحدة تؤشر الى ان مستوى البطالة فعليا بلغ 25% من نسبة السكان قبل ثورة 25 من يناير و ان مستويات الدخول لم تتناسب بتاتا مع حاجات الأسر من شراء حتى المواد الاساسية للعيش، و حَدِثْ بلا حرج عن التضخم الكبير للعملة الذي كان بإزدياد مضطرد...مصر الى أين كانت تتجه قبل الثورة؟ في الاردن بمفردها كان هنالك قبل الثورة 250 ألف من المواطنين المصريين يعملون بسوق العمل و هذا الرقم الكبير هو بمعزل عن مئات الألوف الذين يعملون في الدول العربية و الخليج سعيا وراء عيش كريم لم يوفره لهم الإقتصاد المصري، فقر...جوع...نسبة بطالة عالية...فساد (و الفساد موجود في الدول العربية و الأجنبية معا)...تضخم بالعملة و اقتصاد يوفر للمستثمر رخاءا لا يوفره للمواطن الكادح الذي يعتمد على المداخيل الثابتة...و حاكم غائب عن المواطن المصري...المعادلة اكتملت بثورة الخامس و العشرين من يناير حينما تدفقت نتيجة الضغط الكبير مئات الألوف...بل جيوش جرارة من البشر المسلحين...فسلاحهم شعارات كرامة الإنسان...عيش...حرية...عدالة اجتماعية...لا غير، و من الواضح ان الرئيس السابق لم يتوقع هذه الثورة الجبارة و إلا كان تصرف بامور كثيرة لكي لا تكون نتيجة خدمته التي دامت ثلاثة عقود طويلة بهذا الشكل، فمن الواضح ان الرئيس محمد حسني مبارك قصر بعدم الإهتمام بهذه الأمور، أما من يتحمل وزر المسؤولية الحكومات المتعاقبة التي كان بين يديها القوة التنفيذية و التي لم تحسن ادارة الدولة، و لا أقصد ان اناقد ثاتي بهذا الطرح و لكن من واجبي ان انوه عن الأحتمالات الراهنة التي بين يدينا...هل كان الفساد غائبا عن القاهرة و ان ما كان يعاني منه المواطن المصري سوء ادارة بسبب متطلبات نسمة ضخمة لم يستطع تلبية احتياجاتها؟ هل كسرت جمهورية مصر العربية ظهر من يحكمها بحاجاتها الضخمة فبهذا يكون الرئيس السابق قد اعطا ما عنده من طاقة عبر الثلاثة عقود السالفة مع الحزب الوطني الذي حكم معه و لم يستطع ان يقدم أكثر مما قدمه؟ لا أعلم فالحقيقة تائه و موجودة فقط عند اعضاء الحزب الوطني و الرئيس السابق الذي حكم مصر؟؟؟
لا أظن حتى ان المواطن المصري يملك العلم الكافي ليعي أنه يعيش بجمهورية تعتمد على امتلاك الفرد للحس الديمقراطي و الوعي الكبير ليحسن الإختيار...فالدميقراطية فن معاملة و ثقافة تعامل مع المحيط الذي نعيش به بمفهوم انه من المطلوب ان امارس حقي بإختيار النواب و الرئيس الذي أشعر انهم أصلح للمجتمع و لكن يجب ان أعي كمواطن ان غيري قد يملك راي آخر فيجب ان اتقبل هذا الرأي بصدر رحب...و يجب ان اتأقلم مع ما تجلبه صناديق الإنتخابات إذا أتت بغير توقعاتي...و لكن مع اللأسف لم يهمل من حكم مصر قبل ثورة 25 يناير الإقتصاد فحسب بل لم ينمي ثقافة الديقراطية في نفس المواطن المصري...
هنالك نخبة من الافلام عالجة هذه الضغوطات التي عانا منها الشعب المصري و من هذه الافلام الإرهاب و الكباب ( بطوله الفنان عادل امام و الفنان أشرف عبد الباقي و الفنان أحمد راتب و الفنانة يُسرا و بمشاركة كوكبة لامعة و مقتدرة من الفنانين المصريين) : إن السينما المِصرية أنتجة هذا العَمل الكوميدي في سَنَة ثلاثة و تسعين، و لَعَلًهُ فِلم مِنْ صُلب الحياة المِصرية يُعالِج نُقْطَة الإحباط الإقتصادي و الفَساد الإداري الذي يُحيط بِعَدَد مِنْ القِطاعات التابِعَة للدولة و الذي يَعيشُهُ و يَحْتَك بِهِ المواطن المِصري مِنْ خِلال أحداثُهُ الفريدة، فبإختِصار لأن أحداثُهُ واضحة انوه فَقَط على هذه النِقاط المُهِمَة بِهِ، بَطَل الفِلم مُوَظًف مُكافِح رب لأُسْرَة مُكونَة مِنْ زوجة و ولدين، و هو يَعْمَل بِمَصْلَحَة تنقية المياه التابِعة للدولة في الفترة الصباحية كما يدير كافيتيريا لبيع الوَجبات في فترة ما بَعْد الظُهر، و تَعْمَل زوجته أيضا في الصباح لتعود الى المنزل بعدَها و تَسْتَلِم مسؤلية البيت و مَهامِه المُرْهِقة، و يكون بَطَل الفِلم بِصَدَد مُحاوَلة نَقْل أولادُه مِنْ مَدْرَسَتِهِم التي تكون بعيدة و يَقطَعوا مسافات طويلة للوصول اليها في كل يوم الى مدرسة قريبة مِنْ مَنْزِلِهِم، و يُوَاجِه الأمرًين لإتمام هَذِهِ المَهَمًة، فعِندما يَذْهَب الى القِسم المَعني في مُجَمًع ميدان التَحرير يَتَواجَه مع طوابير المُراجعين الطويلة و كَم بَشَري هائل في الطوابِق و عِنْدَما يَصِل الى المَكاتِب المَعنية يَجِد موظفين لا مُبالين بِمَصْلَحَة المُراجعين، فتارَة تُحَوِل قَضيته مُوَظًفَة مُنْهَمِكَة بإعداد الطبيخ الى زميلِها و تارة يتعامل مَعَهُ هذا الزميل بِعَدَم مُبالاة مُخْبِراً إياه أن المُوَظًف المعني بإجازة و سَيَعود بعد أُسبوع، و يَتَسَتًر هذا الزميل المُهْمِل بِمَصْلَحَة المُراجِعين بِشَخصية المُتدين المُنْهَمِك بالصَلاة للهُروب مِنْ إتمام مَصْلَحَة المُراجِعين للدائرة عِلما بأن الإنسان المُتدين الحقيقي هو الذي يُتَمِم مَصْلَحَة الناس أولاً ثُمً يُصلي الصلاة بِمواعيدها و لا يَسْتَرسِل بِصَلاتِه بُغْيَة الهُروب مِنْ مَهامِه الوَظيفية، و لعل هذا ما أراد إثباتُه كاتب السيناريو مِنْ وَراء هَذِهِ الشخصية.
يأخذ بَطَل الفِلم بعد أسْبوع إجازَة مِنْ عَمَلِهِ وسط تَذَمُر مُديرَهُ و يَرْكَب الحافِلة للإتجاه الى مكاتِب ميدان التَحْرير ليرى إذا كان المُوَظف قد عاد ليُتَمِم مَلَف نقل أولاده، فَيَلْفِت إنْتِباهُه رَجُل طاعِن بالسِن يَقراء الصحيفة و هو جالِس على مَقْعَدِه، فيسألُه عن سبَب قِرأته للصحيفة لتَنْطَلِق مِنْهُ سِلسِلة تَعْليقات لرُكاب الحافلة تَعْكِس مَدى إنزِعاجَه مِنْ ضُغوط الحَياة، فَيُعَلِق قائلاً أنه يَقراء الصُحف مُنْذُ شَبابِه و حتى الى شيخوخَتِه و هي تَحْمِل نفس المواضيع و الآراء و أن الشَعب يَسْكُت مِنْ دون ان يَعْتَرِض و يَتَفَوًه بِكَلِمَة، ويزيد العجوز بأن زُجاجات المَشاريب الغازية حين تُفْتَح تَنْفَجِر إلًا أن البَشر و رُغم الضُغوط التي عليهم لا يَتَفوًهون بِكَلِمَة، فتبقى هَذِهِ الكَلِمات عالِقة بِذِهْنِه الى أن يَذْهَب الى المَكتَب الإداري في المُجَمَع و كُلُه أمل ان يَنْتَهِي مِنْ المُعامَلَة و لكن ليَجِد نَفْس الرجُل المُتَديِن يَعْتَذِر مِنْهُ قائلاً ان زَميلِهِم قد عاد و لكنًهُ يُعاني من تَوَعُك مَعوي و أنه في دورة المِياه، و طَلَب مِنْهُ العودة بَعْد نِصْف ساعَة، و ريثما يَنْتَظِر عودة الزميل يَقوم بالتَوَجُه نَحو مُلَمِع الأحذية الموجود في بَهو الطابق على مَقْرُبة مِنْهُ ليقوم هذا بأخبارُه ان الشخص المنشود خارج المُجَمَع، فَتَنْتَطَلِق سِلسِلة مِنْ المواقف الكوميدية و لكِن المُرهَقَة و رب الأُسرة يَبْحَث عن الزميل حيث قال له مُلَمِع الأحذية انه لا يَسْتَعْمِل دورات المياه المُتوفٍرَة في المُجمع بل يذهب الى المُجمعات الراقية الموجودة في ميدان التحرير لإستخدام دورات المياه فيها، و لكن في نِهاية المَطاف لا يُصيب رب الأُسرة الًا الإهانات من حُراس الأمن في هَذِهِ المُجمعات. يأخُذ الفِلم تَغيٍر درامتيكي كبير عِنْد هَذِهِ النُقْطَة، فالضُغوطات التي مارَسَتْها الحياة على رب الأُسرة من الإهمال الإداري في مكاتِب التربية و التعليم في المُجمع و مع دوامات الصباح و المساء المُرْهِقَة لهُ لِكَسْب لُقْمَة العيش و بحثه عن المُوَظًف لإتمام مُعامَلَة أبنائه و ايضا تَذَمُر مُديرُه مِنْ إيجازاتِه المُتَكَرٍرَة لِمُراجَعَة مكاتِب التربية و التعليم في المُجَمًع تَفَجًرَت لموجَة غَضَب عارِمَة في داخِلِه، فَعِنْد خُروجِه من إحدا المُجمًعات بحثاً عن الموظًف رأى العجوز الذي كان قد إلتقى بِهِ في الحافِلة و تَذَكًر كلامُه، فإنْدَفَعَ صوب المُجَمًع الى مكاتِب التعليم و أصَرً أن يَخْدُمَهُ المُوَظَفين، فحتًى عِنْدَ مُطالَبَتِه بِحُقوقِه في الخِدْمَة تَقَع المُصيبة الكُبرى فَفَوَران أعصابِهِ يَتَسَبَب بِمُشادة مَعْ الموظًف الذي يَدًعي التَدَيٌن و لتَتَدَخًل الشُرْطَة بِصُورة غير فعالة و تَتَعارَك بالأيدي مع رب الأُسرة، فيَنْطَلِق الرصاص من الرشاش الذي يكون بين يدي رب الاسرة و الشرطة في وسط إعِتراكِهِم مع بعض لتَهْرُب الشُرطة ظناً أن رب الأُسرة اطلقه بالعَمْد، و تقوم الشرطة بالصُراخ علانية في المُجمع أن هُنالِك ارهابي في الطابق، فتَعُم البَلبَة و الفوضى في طوابق الميدان و يهربوا الناس ليبقى فَقَط رب الأُسرة مع بعض الرهائن،
في خِضَم هَذِهِ الحوادث المؤثرة في الفِلم تَحْدُث حادثتان مُهِمتان تَتَعَلًق بِصَميم رِسالة الفِلم، الأولة مُمَثًلة بِجُندي يَعْمَل كساعي و سائق في الخِدمَة العَسْكَرية يُعاني المرار مِنْ اللواء الذي َيْخُدُمه، فيُعامِلُه اللواء بالإهانات و الشتائم و يُسَخِرُه لِخِدْمَة بيتِهِ و عائِلته، و يُلاقي الجُندي المُعامَلَة المُستَفِزَة و المُهينة من اولاد اللواء ايضا، و يُجَسِد الفِلم ما الضُغوطات التي تُعاني مِنها هذه الرتب الصغيرة في بعض الأحيان من الرُتَب الكبيرة مِنْ خِلال شخصية الجُندي و كيف يَتِم تسخيرُها للاغراض الشخصية، و حينما تَعْتَرِض يُزَجٌ بها في التحقيقات و لا يُسْمَع صوتُها إطلاقاً لِتَذوق القَهْر و المَهانَة و المُعامَلة المُذِلة،
اما العُنْصُر الثاني فتكون بائِعَة هوى كما يُطْلَق عليها، و هُنالِك سبَب وَجيه لماذا تم تَسْليط الضوء على مُشْكِلَتها بهذا العَمَل الدرامي و لو أن العَمَل يَفْعَل هذا بأُسلوب كوميدي، فالإنْحِراف السلوكي حرام دينيا و مَكْروه مِنْ قِبَلْ مُجْتَمَعاتِنا و رُغْم هذا للأسف هو واقع موجود لا يُمْكِن نُكرانُه، و لعَلُه مُرتَبِط كل الإرتباط بِمَضْمون الفِلم و بوجود طبقات مُعْوَزَة و فقيرة فعلياَ في مُجتمعاتنا و مَقْهُورَة تَدْفَعُها ظُروف قَهْرية لِهذا السلوك، فَتَكون هَذِهِ الشخصية تَعْمَل في بار مَشروب بِمؤسسة سياحية و تَتَمَحور وظيفتها حول إغواء و إغراء زَبائِن البار لِشِراء زُجاجات المَشروب الثمينة، و هذا النموذج مِنْ الفتيات موجود في كافَة بُلدان العالم و في الدول العربية و هو بالخِفية جُزء مِنْ إستقطاب سياحي مُعَيًن تَسْتَخْدِمُه بَعْض الدول حَول العالم لتشجيع جُزء من السياحة الوَافِدة اليها، و قد تكون هذه الفتيات جُزء مِنْ شَبَكات او مافيات تيبع المتاع لكَسْب المال الوفير مِنْ الزبائن او قد تكون تَعْمَل بِفردية كما هو الحال مع بَطَلَة هذا الفلم.
هُنالِك ثلاثة أسباب للأنْحِراف الأخلاقي عِنْد النساء و حسب ما يُحَدِدُه عِلم النفس، و لأن ليس هُنالِك مَجال للتَوَسُع بِهِما إذ موضوعَنا الأساسي العَمل الدرامي سأسرُدُهُم بإختصار على النحو التالي : الأول منها مادي أي سَبَبَهُ شُح موفور النُقود عِند الأُسَر في الطَبَقات الفَقيرة، و الثاني وجود مَشاكِل أُسَريًة مُتَكَرِرَة بين الأب و الأم و خُصومات مُسْتَمِرة بحيث تُرهِق سلام الأسرة و الأولاد و تَدْفَع بالنتيجة الفتاة الى الإنحراف الأخلاقي، و الثالث رِقْفَة السوء التي من المُمْكِن ان تؤذي سُلوك الفتيات،
و لعل حينما طَلَبَ رب الأسرة في الفِلم آراء مُعاوينيه بِكيفية الخُروج مِنْ وَرْطَة إحتجاز ميدان التحرير قالت البَطَلَة "لماذا لا نطلب مبلغ كبير و طائرة للهرب الى خارج مصر." لأن المادة غير مُتَوَفِرة عِنْدَها و هي الدافع وراء سُلوكها في طريق بيع الهوى، و من المؤكد أنه مع وجود رواتب مُتدنية في دول تكثر بها الطبقات الفقيرة تكثُر أيضا المشاكِل الأُسَرية و المادية مِنْ عَدَم مَقْدِرَة الأُسر تلبية المَصاريف المُتَرَتِبَة عليها، و هذه بيئة خطيرة جدا جدا اذ لم تَتَوَفَر الإرادة الصَلبة الفولاذية للكِفاح عند أفرادِها يُمْكِن أن تكون بيئة خَصْبَة للإنحِراف عند الإيناث، بل أيضا من المُمْكِن أن تدفع الذُكور للفُجور و تِجارَة الحَرام و المَمْنوع لتأمين المادة اذ بِعَصْرِنا ما مِنْ حُكومات او أحد يُعطي بِسَخاء ليحِل مُشْكِلة الفُقراء بالكامل في الدول و لا أحد يَفْرِش بيتاً للفقير أو يُسْكِن أُسرة بِشَقَة تفي بإحتياجاتها، فَصِدْقاً لا يَقْدِر على القُدْرَة إلًا رب العِباد فالبَشَر الذين ينامون في الليل و مَعِدَتَهُم مليئة مِنْ خيرات الدنيا لا يَشْعروا مع الذين يَبْطِش بِصَبْرِهِم الجوع و الذين يَذْهَب الى أحْسَن المُستشفيات لا يشعروا مع الذين يَذْهَبون بِمَرْضاهُم الى العيادات العامة المُكْتَظَة بالمُراجعين و يا عالِم كما يُقال اذا تَتَوَفًر العلاجات لِلمَريض بهذه المَشافي ام لا، و كم أُسرة تَنام في مُجْتَمَعاتِنا تَلْتَحِف بالسَماء كغِطاء لها و تَفْرِش الأرض الصَلبة كسرير لها، فعِنْدَما يَتَصَرًف المُجْتَمَع بِهَذِهِ الأنانية مع المُحتاج تَتَشَوَش أفكار المُصابين بِداء الفَقْر و يَنْتَهي الإيمان و موازينه عِنْدَهُم و يُصْبِح الشَرَف ثانوي مُقارنة مع الخبز و الزاد الذي سَيُنْقِذ حياتَهُم مِنْ الموت و التَهْلُكة و الموت و المادة تُصْبِح هي الهدف لا الوسيلة عِنْدَهُم. و مِنْ المَعروف دينياً أن تَجويع الغَرائِز هو مَعْبَد الشيطان الذي يَسْتَدْرِج الإنسان مِنْ خِلالَه الى عالم الخَطيئة و مَعْصية الله.
و حين يَفْتَح الفِلم السِتار على قَضية البَطَلَة تَكون مُحْتَجَزَة بِتُهْمَة لا أخلاقية ليُسَيٍرَها قَدَرُها الى التعامُل مع فساد أخطر من وَرْطَة الجوع و الفقر، فالضابط الذي يُحَقِق مَعَها فاسد معدوم الضَمير و لا يُراعي شَرَف المِهْنَة بِمُجريات التَحقيق، و يُمارِس عليها الضغوطات الكبيرة لِتَمْضي على أقوال مُلَفَقَة بعيدة عن الواقع تماماً، فَتَرْفُض هذا الواقِع و تُطالِب بحقها بتحقيق عادل يُراعي الواقِع و حقيقة.
و الفَساد و الإهْمال لا يطال مكاتِب التَعليم و مكاتِب بَعْض مِنْ شَخصيات الجيش و ضُباط جَرائِم الآدآب فَحَسْب بل يطال آخر مِعْقِل للعَدالة و هي المَحاكِم، و نرى هنا كيف السَماح للروتين و أيادي النُفوذ بالتَلاعُب مع ميزان العدالة تُرْهِق صَبر مُلَمِع الأحذية بِمُجَمًع ميدان التَحرير، ففي أثناء الخِدْمَة العَسْكَرية المُشَرِفَة لِبَلَدِه يَتَبَلْطَج رَجُل ثري في بَلْدَتِه على أرضه و يأخذها بِطُرُق غير عادلة، فَعِنْدَ عودَتِه يتفاجا بِهَذِهِ الفاجِعَة و يُطالِب بحقه ليُلاقي الرُدود المُسْتَفِزًة مِنْ الثري، فَيَرْفَع عَليه قضية بالمَحْكَمَة ظناً مِنْهُ أن بيت العدالة سَيَجْلِب لهُ حَقَهُ، فَيَتفاجئ أن المَحْكَمَة لها نصيبها مِنْ المُتلاعبين و يُحسنوا استخدام الروتين و التأجيل و مَداخِله و مَخارِجُه بكل حُرية من دون رقابة و لا حزم إداري، فَبَعْد سَبع سنين مِنْ المَرار و المَحاكِم العقيمة يَفْقِد صوابَه و يَرْتَكِب جريمة القتل، و يَتَفاجا أيضا أن الحُكم بالسجن أصدرته المحكمة خلال ثلاثة اشهر، فَيَشْعُر بالقهر المُضاعَف بعد هذه التجربة.
رأي ككاتب و إنسان مُثَقَف أن هذا العَمل هو عِبارَة عن نبؤة فنية ذات رؤيا و بُعد نَظَر حَمَلَة بطيات أحداثِها بعض من هُموم المواطن المِصري مِن أرض الواقع بجمهورية مِصر العربية و بكل جُرأة و صلابة و بِذَلِك هذا العمل هو في حقيقتِه مشروع إدانة أدبي بِحَق حُكم الرئيس محمد حسني مُبارك و الحكومات التي كان يُعَيِنَها و لِحِزبِه الذي حَكَمَ مِصر لفترات طويلة، فالفساد المُبين في هذا الفِلم و الإهمال بِحَق المواطن المِصري لا يُغْفَر و واضِح كل الوضوح و لا يحتاج لتوضيح و تفسير، فثورة ميدان التحرير في الخامس و العشرين من كانون الثاني كانت بمثابَة أنجاز يُدَوَن في تاريخ صفحات الثورات الإنسانية الشريفة فَتَحَقَقَت العدالة التي كان هذا الفلم يروي أنها مَفْقودة في المُجتمع المِصري فَيَشْعُر المُشاهِد و كأنها حلقات وَصْل تَتَمَحور حول نفس الجوهر النقي ألا و هي العَدالة و العيش الكريم للمُواطن المَصري.