ابو غوش حصاد الذهب وحصاد القمح
عبدالله وشاح
26-08-2016 12:07 PM
أدخل "ابو غوش" على اجسامنا نشوة الادرينالين اثناء نزالاته، وادخل على قلوبنا الفرح بعد كل نزال، الى ان نال الميدالية الذهبية فمنحنا شعورا لا يوصف منحنا نشوة النصر، ذلك الفتى المهذب ابن الـ 20 ربيعاً حقق ما لم استطع تحقيقه عندما كنا نتزامل سوياً انا ومدربه فارس العساف قبل ما يزيد عن عقدين من الزمن نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة، وان لم تخني الذاكرة فقد كنا ندفع 7 دنانير شهرياً، هذه الدنانير السبع وقفت عائقا بين العديد من المتدربين وبين تحقيق احلامهم.
اذكر الكابتن امين ابو رمان والكابتن توفيق نويصر (بطل اسيا عام 90) و الكابتن بسام ابو رمان يوماً تبرعوا بنصف القسط الشهري لأحد المتدربين اليافعين محاولين ثني والده عن قرار ترك ولده النادي، وقالوا حينها بأن بطولة غرب اسيا على الأبواب ونتوقع له المنافسة وقد يحصد الذهب، فكان رد والده: "نحصد قمح اول بعدين نحصد ذهب"، قرأت في عيون المدربين نظرة غريبة حينها ولكنني لم افهم تلك النظرات الا بعد حين انها نظرات الحسرة.
اذكر كنا نتمتم بكلمات حفظناها ولم اعلم معناها الا انها لا زالت راسخة في ذاكرتي الى الان ، واذكر الاهازيج الوطنية التي كنا نرددها اثناء الاحماء والتغني بأمجاد الوطن وبعروبة القدس، وعن نفسي اتحدث فقد زرعت هذه اللعبة بداخلي توقير المدرب والمعلم و القائد، وكذلك احترام الغير وان كان خصماً، وان مبدئها الاول هو الدفاع عن النفس.
بعد فوز ابوغوش شعرت بحنين الى الماضي، فبعد بحث في مواقع التواصل الاجتماعي على المدربين القدماء وعلى زملائي في اللعبة، و رغم الصعوبة في تذكر الاسماء الا انني وجدت بعضاً منهم، ويا ليتني لم اجد حالهم .... فمن حالفه الحظ واستطاع الاستمرار في اللعبة يعمل خارج المملكة، الا ان الغالبية العظمى باتت اللعبة من الماضي بالنسبة لهم.
احد المدربين ممن حمل 3 دان آنذاك يعمل الان على حافلة مدرسة في الصباح، وسائق تاكسي في المساء لتوفير علاج السكري له لأنه غير مؤمن صحياً، وغيره بلغ من الوزن ما زاد عن 110 كغم رغم انه كان يلعب في وزن الريشة (وبالمناسبة مش زود عز)، وغيرهم من ترك اللعبة سعياً لرزقه ورزق عياله (فاللعبة ما بتطعمي خبز حاف) وفقاً لوصف اخر، وبعضهم من استفاد من منحة التفوق الرياضي في المنافسة على مقاعد الجامعة وبعدها طلق النادي بالثلاث.
العزيمة، الاصرار، المثابرة والجلد هي اساس كل نجاح، وهذه متوفرة لدى أي لاعب اردني بالفطرة، ماذا لو التقت هذه الصفات مع الدعم المادي والمعنوي بشكل مؤسسي، ماذا لو تأسست الاتحادات الرياضية على اساس الكفاءة بعيدا عن المحاباة والتنفيعات، ماذا لو حذا القطاع الخاص حذو زياد المناصير ودعموا الرياضات الاخرى غير كرة القدم، اعتقد حينها سنحصد الالقاب كما يحصد القمح.