افرضوا الثقافة الإعلامية في الجامعات
د.نبيل الشريف
23-08-2016 04:47 PM
لم تعد وسائل النشر وتداول المعلومات حكرا على الإعلاميين ، بل أصبح غير المختصين في مواقع التواصل الإجتماعي ينافسونهم في تشكيل قناعات المواطنين وتحديد توجهات الرأي العام إزاء الأحداث والتطورات.
والدليل على هذا هو ان معظم القضايا التي شغلت الرأي العام مؤخرا تم " إنتاجها " في أروقة وسائل التواصل الإجتماعي ، ولم يكن أمام وسائل الإعلام الأخرى الا التفاعل مع هذه القضايا تأييدا أو معارضة لما تم نشره من خلالها .
لقد قال كثير من المهتمين والدارسين مرارا وتكرارا أننا امام واقع إعلامي جديد لم تعهده البشرية من قبل ، فالصحافة من حيث هي مهنة ( أو رسالة لاخلاف هنا ) تقوم على تقاليد راسخة وقواعد صارمة في العمل مثل نسبة الأخبار إلى مصادرها والتأكد من المعلومة قبل المسارعة بنشرها وعدم تضليل المتلقي بالعناوين غير المتسقة مع المحتوى أو المضمون وغيرها من الضوابط التي تحكم عمل وسائل الإعلام الملتزمة بالأعراف المهنية ، ومنها بعض المواقع الإلكترونية التي تتسم بالدقة ومراعاة التقاليد الصحفية ومنها موقع وكالة (عمون) الإخبارية.
ولأن هذه الضوابط تحكم عمل الصحفيين المحترفين ، فسيكون من الظلم أن نتوقع من المواطنين العاديين ممن يمتلكون منصات على مواقع التواصل الإجتماعي الإمتثال إلى هذه الضوابط والمعايير ، فلكل مهنة قواعد معينة لاتلزم إلا العاملين فيها ولايجوز تعميميها على المجتمع باسره !
وأحسب أن لا خلاف على هذا القول سوى أن هذه المنصات تقوم بأدوار إعلامية في نشر وإعادة نشر الأخبار والصور والأفلام، أي أنها تنازع وسائل الإعلام التقليدية على الدور والوظيفة وتتفوق عليها في كثير من الأحيان، ولكن هذه المنصات تبقى في نهاية المطاف منابر إجتماعية يشرف عليها مواطنون عاديون وليسوا صحفيين، رغم أنها تخضع لبعض القوانين المحلية من حيث إنها منابر للتعبيرعن الرأي، فكما يمكن مؤاخذة الناس على ما يقولونه بشكل جهري صريح في الشوارع والطرقات ، فإنهم يخضعون للمساءلة أيضا على ما يطلقون من آراء ومواقف في الفضاء الإلكتروني ، أي أن خضوع الناس للمتابعة القانونية على مايقولونه على مواقع التواصل الإجتماعي لايجعل منهم صحفيين ، بل هم يساءلون بحكم كونهم مواطنين يعبرون عن آراء عامة في فضاء مفتوح.
وتبقى المشكلة أن كثيرا من الناس يتعاملون مع هذه المنصات الإجتماعية على أنها وسائل إعلام ويعيدون نشر المواد المتداولة عبر هذه المنصات على أنها معلومات موثقة لايأتيها الباطل من بين أيديها ولا من خلفها. ولاشك أن ذلك يتسبب كل مرة في إحداث الخلل والبلبلة وإثارة القلاقل بشكل يهدد سلام المجتمع وأمنه.
إن أحدا لايستطيع التدخل في هذا الواقع الإعلامي الجديد أو إيقاف إندفاعته القوية مهما فعل ، فنحن أمام تطورات جديدة من أبز سماتها تراجع دور وسائل الإعلام التقليدية مقابل تنامي اثر ومكانة المنصات الإجتماعية غير الإعلامية بشكل غير مسبوق في التاريخ البشري.
فماذا نحن فاعلون إزاء هذا الواقع الذي أطل علينا دون إنذار مسبق ؟
أحسب أننا نملك خيارا واحدا لاغير للتعامل مع هذه التطورات الجديدة الا وهو تحصين المتلقي وتثقيفه بحيث يستطيع التمييز بين الغث والسمين ، ومعرفة الفرق بين الخبر الدقيق والمعلومة غير الموثقة.
ولما كان الشباب هم أكثر القطاعات إستخداما لهذه المنصات ، فقد غدا من الضروري التفكير جديا في فرض مادة الثقافة الإعلامية كمتطلب إجباري في كل جامعاتنا الأردنية ، فقد أصبحنا نأكل إعلاما ونشرب إعلاما وننام على معلومات تبث ونصحو على أخبار تتدفق. فهل يجوز أن نترك شبابنا في لجة هذا البحر المتلاطم دون تزويدهم بأبجديات الإعلام التي تمكنهم من معرفة الصحيح من المدسوس في الأخبار؟ وهل من المصلحة ترك أبنائنا نهبا للإشاعات والأكاذيب وأنصاف الحقائق التي تلاحقهم من كل حدب وصوب؟
احسب أن المصلحة تقتضي النظر جديا في هذا المقترح ، وأزعم أن في ذلك إستثمار حقيقي في أمن المجتمع وإستقراره وتعزيز لقوته ومنعته وسلمه الأهلي.