حين كتبت في هذه الزاوية عن قاعدة “ اركب معنا “ التي انطلق منها الاخوان المسلمون ( حزب الجبهة) للمشاركة في الانتخابات البرلمانية , ذكّرني احد القراء الاعزاء بتصريحات سابقة لنائب المراقب العام للجماعة , زكي بن ارشيد , قال فيها : “ اننا لن نخضع لقاعدة اركب معنا , فانتخاباتكم هي السفينة الهالكة ومقاطعتنا هي سفينة النجاة “ ثم اضاف “ يقول الآخرون لقد فاتنا القطار، اي قطار فاتنا؟ واي مسار تخلفنا عنه، هل هو نفس قطار مدريد الذي قالوا عنه من لم يركب قطار مدريد فقد خسر كل شي؟ وراهنوا على ذلك الا انهم خسروا جميعا ...” كانت هذه التصريحات بالطبع في اكتوبر 2012 على هامش حفل المعايدة الذي نظمته الجماعة انذاك قبل موعد الانتخابات البرلمانية .
الان , تغيرت الصورة : المقاطعة لم تعد هي سفينة النجاة , والقطار الذي تندر بني ارشيد بمن قالوا انه فاتهم اصبح مطلوبا بالحاح , بعد ان ادركت الجماعة انها لن تجد قطارا اخر ينقلها من ازمة الانتظار على الرصيف الى محطة “ السياسة “ , لكن هل اخطأ الاخوان في اختيار “ركّاب” هذا القطار , وفي توزيعهم على القوائم “المسافرة “ للبرلمان ، ثم هل كانت مبادئ الحزب الاسلامي حاضرة فعلا في هذا الاختيار , ام ان السياسة فعلا لا دين لها ولا اخلاق .
الردود جاءت سريعة , ومن اكثر من اتجاه , فقد دعا احد اعضاء مجلس علماء الشريعة في الجماعة قواعد الاخوان الى عدم التصويت لمن لا يعجبهم من الاسماء التي شملتها القوائم , وقال “ قد تجدون في قوائم جبهة العمل الاسلامي بعض من لا يعجبكم , لا حرج , يمكنكم اعطاء صوتكم للقائمة , اما افرادها فتنتخبون منهم اقربهم لطموحات الوطن ونبض الامة , ولا الزام في الاسماء كلها “ .
لا حرج في الانتخابات , بالتاكيد , فقد ضمت قوائم الاخوان احد المحسوبين على النظام السوري , والمدافعين بشراسة عن بشار الاسد , كما ضمت خليطا من المرشحين الذين لا تربطهم اية مشتركات مع الاخوان , فيما الاهم من ذلك ان تصميم القوائم وتوجيه دفة التصويت - كما حدث في السلط مثلا – عكسا القاعدة الذهبية التي شكلت اساسا تاريخيا للجماعة وهي مصلحة الجماعة اولا , على الرغم من ان عنوان المشاركة انتقل من دائرة “ الاسلام هو الحل “ الى دائرة “ التحالف الوطني “ , بما يفترض ان يعنيه من تحول جوهري في الرؤية والتطبيق , ومن مصداقية ايضا .
في الحقيقة , هذا لم يحدث فقد استعان الاخوان باسماء عدد من نشطاء الحراكات المحسوبين اصلا على خط “ المجلس الاعلى للاصلاح” الذي ترأسه سالم فلاحات وشكل من خلاله تنسيقية الحراكات , ثم تعامل معه قيادة الاخوان آنذاك بقليل من الاهتمام , وعندما صمموا قوائهم اختاروا في معظمها رأسا او اثنين من الاخوان المقربين منهم ليكون التنافس محصورا فيهم , لكن مهما تكن المقاعد التي سوف ينتزعونها من (7) محافظات , سيبقى السؤال الاهم يتعلق بالرسالة التي ارادوا ان يبعثوها للجمهور اولا وللمتحالفين او للمتعاطفين معهم ثانيا , وهو سؤال لا يتعلق بما بعد الفرز وانما قبل موعد الاقتراع ايضا .
الرسالة بالطبع , مفهومة في سياق واحد وهو (التحالف) الذي اعتبره الاخوان تحولا اسياسيا في علاقتهم مع الدولة ومع المجتمع ، هذا التحالف سيكشف مسالتين متداخلتين : احداهما التزام الاخوان مع حلفائهم في القوائم , والاخر مصداقية حلفائهم معهم وتعاطفهم مع مشروعهم , ولان القانون الجديد لا يمنح فرصة لتحقيق المسالتين , باعتبار القائمة في الغالب تصب في مصلحة المرشح الاقوى ولان اولوية الاخوان ستنصب باتجاه الحصول على اكبر عدد من المقاعد لحسابهم فان النتيجة ستكون بعكس الصورة التي اراد الاخوان ان يصدروها عبر عنوان التحالف , الامر الذي سيضعهم في حرج امام انفسهم وامام الاخرين ايضا .
اصاب الاخوان حين شاركوا بالانتخابات , رغم عدم اقتناعهم بالقانون كما ذكروا امس في المؤتمر الصحفي , لكنهم اخطأوا مرتين : مرة حين تقمصوا صورة التحالف الذي شارك في حراكات الشارع فاقحموه في حراكات الوصول الى البرلمان , رغم انهم فشلوا انذاك في ادارته , ورغم ان الذين تصدروا مشهده من الاخوان اصبحوا فعليا خارج اطار الجماعة , ورغم ان الذين شاركوا فيه من غير الاخوان لم تعجبهم قيادة الاخوان له ، واخطأوا مرة اخرى حين ذهبوا بعيدا في التنازل لضمان حشد اكبر عدد من المرشحين والقوائم على حساب عناوين لطالما التزموا بها امام جمهورهم , ومبادئ وقيم لطالما انتزعت اصوات الناس لحسابهم.
الدستور