لم تستطع مذيعة قناة سي ان ان الأمريكية إلا أن تواجه قيمها الإنسانية، فلم تتمالك نفسها لتسترسل في خبر إنقاذ الطفل السوري «عمران دقناش» فأجهشت بالبكاء،وهي تستعرض إدخاله لسيارة الإسعاف عقب إخراجه من تحت الأنقاض وطفلتين أخرتين حيث قتل جميع سكان العمارة السكنية التي قصفها طيران النظام في حلب، وأثارت الصورة التي طافت وكالات الأخبار والصحف العالمية مشاعر التعاطف والغضب عند الكثير من مواطني العالم المحترمين، ولكنها لم تحرك نقطة دم في وجوه المسؤولين في البلد المحروق ، ولا الجماعات المسلحة المنشغلة بقتال بعضها بعضا وتركت المهمة التي تدافعت لها لإسقاط النظام، فبقي الأسد وسيبقى حتى آخر سوري، وستبقى الجماعات تقاتل وتتقاتل والعالم الكاذب يتفرج ويلقي بالمواعظ الفارغة.
الطفل «الفضيحة» لم يكن وحيدا بين أطفال سوريا الذين ولدوا من حرب المجانين والمتسلطين والمتخلفين دينيا ومذهبيا ، بل إن عشرات الآلاف من أطفال سوريا قد ماتوا أو جرحوا أو أصيبوا بعاهات دائمة أو فقدوا أباءهم وأمهاتهم بلا ذنب اقترفوه ، بل ليس لهم حول ولا قوة ولا يد لهم في ما يجري على الأرض السورية من قتال عالمي بالأصالة وبالإنابة ، ثم لم يترك الساديون الذين استمرأوا قتل البشر وتلذذوا بتعذيب وتشريد النساء والأطفال، لم يتركوا فرصة لأيام معدودة لفرق الإنقاذ كي تسعف الأطفال والعائلات، وظنّوا بأيام قليلة من بين 1610 أيام هي ما يقارب عمر الحرب السورية الداخلية ،
لقد كشف تقرير منظمة العفو الدولية الأخير فظائع كبرى وقعت في سجون النظام السوري، ولعل مثلها ما يقع في المناطق المفتوحة التي تحولت الى جبهات قتال بين مختلف الفصائل والميلشيات الطائفية التي باتت تقاتل لأجل القتال، لا لأجل الشعب السوري الذي ذاق ويلات حرب انفجرت بسبب جنون العظّمة وحب السلطة والحقد الطبقي لدى المسؤولين الأمنيين والعسكريين فضلا عن القادة، ولو كان النظام متحضرا ومحبّا حقيقيا لوطنه وكافة مواطنيه ويمتلك إحساس القيادة الحكيمة والشعور بالمسؤولية لما انفجرت بوجهه ثورة عارمة بسبب معاقبة مجموعة أطفال درعا وتعذيبهم والتنكيل بعائلاتهم.
تتحدث منظمة العفو عن إحصائيات إعتمدتها بناء على شهود ثقاة، ولم تلم بالتقديرات الأخرى التي تنشر شهريا، ومع هذا فهي تؤكد أن هناك 17 الف معتقل، على أقل تقدير، قتلوا في سجون النظام تحت التعذيب وسوء المعاملة، فيما لا يزال 65 الف معتقل في عداد المفقودين في محتجزات الأجهزة الأمنية الكثيرة وأشهرها سجن صيدنايا، فيما نزح ما يقارب 11 مليون سوري قسريا من بيوتهم أو غادروا بلادهم، منذ اندلاع الصراع ، وهذا لا يمكن تخيله ولا تخيل ما يذوقه الشعب السوري من قتل بالبراميل والمدفعية وقصف الطائرات المقاتلة والحصار والتجويع والإغتصاب، إلا إذا قارناه بما حدث في رواندا أو حروب العصور المظلمة.
عندما اندلعت الأزمة السورية في ربيع عام 2011 أطل جلالة الملك عبدالله الثاني على العالم من الولايات المتحدة التي كان في زيارة لها آنذاك، وحذر العالم من تكرار ما حدث في دول عربية أخرى كالعراق وليبيا ، وشدد بوضوح على أن الأزمة السورية حينها إذا انفجرت بشكل أكبر ستكون نهايتها شبه مستحيلة ، ونتائجها غير متوقعة وسيتحول الشرق الأوسط برمته الى منطقة صراع أهلي وطائفي، وملاذا للجماعات الإرهابية، وستدفع الشعوب ثمن رعونة السياسيين وصمت العالم الحرّ، ولكن لم يسمع أحد، بل استمر الجميع بالكذب والتدليس السياسي ودعم أطراف الصراع منذ ذلك الوقت حتى اليوم والى أجل غير محدد.
شخصيا كنت حاضرا،بالصدفة،عند وصول طلب إدخال الطفل ابراهيم الصالح مخيم «الرقبان» المتاخم للحدود الأردنية السورية الشرقية، وقبل أن يسمع به أحد من المنظمات ، وتمت الإجابة باتخاذ الإجراءات اللازمة لإدخاله رغم الحظر العسكري، ثم تفجرت بطولات البعض واستعراض تسجيل فيديو غير موثق، وما هي إلا أيام حتى وصل الطفل وأهله لمستشفى داخل الأردن ليزيد عدد الأطفال السوريين واحدا بعد 300 الف أو يزيدون ، ثم ها نحن نقف أمام تحد أخلاقي يتحمل مسؤوليته العالم الذي لا يريد للصراع السوري أن ينتهي، ولايريد القضاء على الإرهاب ولا القيادات المتوحشة، ليبقى السؤال: متى تنتهي فضائح أطفال سوريا المقتولين والمختطفين في كل البقاع
الراي