يعود الى فضاء النقاش مجددا سؤال هوية الإقتصاد الأردني .
نفهم أن ما يثير هذا السؤال هو تعمق الأزمة الإقتصادية وبدء رحلة البحث عن حلول ومصادر للنمو , لكن مدعاة الإثارة هنا هي أن دولة لها من العمر الزمني سبعون عاما وأكثر تحار اليوم في البحث عن هوية لإقتصادها وهو ما يفترض أن تكون المؤشرات التي تقرأ إتجاهات الإقتصاد قد حددته سلفا .
الوصف التقليدي للأردن هو رقعة جغرافية تحدها الصحراء من كل الإتجاهات , شحيحة الموارد , لا نفط ولا موارد أساسية ولا مياه , فقط قوى بشرية متعلمة لكن تعاني في مسارات البحث عن فرص .
ليس المقصود من السؤال الذي يعاود المسؤولون طرحه مجددا , وكأنهم في مواجهة إختراع جديد أو أمام إكتشاف مثير , هو ما إن كانت هوية الاقتصاد الأردني رأسمالية حرة، أم اشتراكية أم هي مزيج بين المتناقضين وكانت لمعت فيما مضى نظرية إقتصاد السوق الإجتماعي التي إصطدمت بتعقيدات قدرة الدولة على الإستمرار في الرعاية والإعالة وهي تنام قلقة على خزينة تكاد تكون خاوية تعتمد فقط على عوائد الضرائب والمساعدات والقروض .
هناك من رأى أن من الأفضل أن لهوية الاقتصاد الأردني أن تكون مختلطة يكون فيها دور للحكومة وللقطاع الخاص , بينما لا تزال الحكومة مسؤولة عن 60% من مصادر الإنتاج ومصادر الدخل لأكثر من مليون أسرة .
قرأت تنظيرا مستهلكا لقلم من أصحاب الإتجاه الإسلامي يقول فيه أن تحديد المسار الاقتصادي للأردن هو المجال الزراعي بشقيه النباتي والحيواني،لكن مثل هذا الطرح يفتقر الى الواقع عندما ننظر الى أن المياه بالكاد تكفي حاجة الشرب وأن الرقعة الصالحة للزراعة تشكل 10% من أراض 6% منها مزروعة .
وقرأت أيضا تنظيرا مماثلا لقلم إقتصادي محافظ رأى أن الصناعة هي المستقبل , لكن مثل هذا الطرح يسقط أيضا أمام الواقع , وهو شح المواد الخام وإرتفاع كلفة الطاقة والأيدي العاملة وضعف المنافسة .
في إتفاق التصحيح الثاني مع صندوق النقد تقديرات متطابقة بأن يصل الناتج المحلي الى 28 مليار دينار في العام الحالي يرتفع الى 29 مليارا في العام 2017 و30 مليارا في العام الذي يليه , لكن ما يلفت الإنتباه هو أن من سيقود سلسلة الإرتفاعات المشار اليها هو قطاع الخدمات وليس غيره.
قطاع الخدمات يوازي ثلثي توليد الدخل في الأردن، وهو المشغل الرئيس في الاقتصاد الوطني بنسبة تصل الى ثلاثة أرباع الوظائف التي يولدها الاقتصاد .
لا يُعيب اقتصادنا أن يكون قطاع الخدمات في الطليعة منه ، بل هو ميزة نسبية تنافسية عالية للاقتصاد تقوم عليه قوى بشرية ، والمعادلة الصحيحة هي أن يكون الأردن مصدرا لقوى بشرية متعلمة ومدربة من أطباء ومهندسين وخبراء إتصالات وتكنولوجيا معلومات ومستوردا لعمالة مهنية في قطاعات الإنشاءات ومركزا ماليا وصحيا وتعليميا وسياحيا وإعلاميا .
الراي