محاولـة إحيـاء النظـام العربــي بقيــادة السعوديـــة
مصطفى ابولبده
02-04-2007 03:00 AM
- إلغاء اي تفكير ب¯ "شرق اوسط جديد"، والالتزام باتفاقيات سايكس بيكو والمنظومة الاقليمية
- كرسي القيادة العربية التي شعرت بغياب الناصرية ولم تملأها سوريا أو العراق أو المنظمات الفلسطينية يتولاها الآن النفط العربي .
- فترة سنة للمتحفظين على انتقال الزعامة العربية للسعودية ليتأكدوا من قدرتها على إدارة الملفات العالقة في لبنان وفلسطين والعراق وايرانكل الدول والقيادات العربية التي حضرت مؤتمر القمة التاسعة عشرة في الرياض, كانت تعرف سلفاً ان البند الأهم في المؤتمر هو الذي لم يكن مسجلاً في الجدول الرسمي والمتضمن نقطتين:
1- الأولى، الحفاظ على النظام العربي والمنظومة الاقليمية التي بنيت من فوق اتفاقيات سايكس بيكو واستغرقت القرن الماضي كله.
كان الهدف غير المعلن لقمة الرياض هو إثبات أن "الشرق الاوسط" هو نفسه الذي تعارفت وتآلفت عليه كل الدول الاعضاء, وبالتالي لا مبرر للولايات المتحدة الأمريكية ان تستمر بالحديث عن " شرق أوسط جديد أو شرق اوسط وسيع", ما دام أن منظومة الجامعة العربية ملتزمة بمؤسسة القمة وبتفعيل اتفاقيات الدفاع العربي المشترك، وملتزمة ايضاً بحسن الجوار والتعاون مع دول الجوار (ابتداء من ايران وتركيا وإنتهاء باسرائيل واثيوبيا ) ولذلك جاءت نصوص البيان الختامي للقمة واضحة بهذا الخصوص.
ولعل هذه النقطة غير المنصوص عليها (نقطة الالتزام بالشرق الاوسط القديم) هي التي اثارت الادارة الامريكية التي ارادت ان تتحفظ فلم تجد مبرراً سوى تعبير "الاحتلال الامريكي غير المشروع للعراق" كما وردت في خطاب مضيف القمة ورئيسها.
وهي نفس النقطة التي جعلت رئيس الوزراء الاسرائيلي يعتبر قمة الرياض نقطة تحول في العمل الاقليمي، علماً بأنه لا جديد في قراراتها السياسية.
فاسرائيل ادركت ما أدركته الادارة الامريكية من أن المستجد الرئيسي هو ان الرياض انتقلت الى مرحلة المبادرة الهجومية في رفضها لمشاريع "الشرق الاوسط الجديد" التي تقوم على التشظي المذهبي وعلى تقسيم المنطقة الى محورين: شيعي وسني.
وفي الانتقال الى مرحلة المبادرة الهجومية اتخذت الرياض عدة إجراءات متوازية :
1- نأت بنفسها قليلاً عن الادارة الامريكية الحالية التي لم يبق من عمرها سوى عشرين شهراً أو أقل ستمضيها مشلولة تدافع عن نفسها في مستنقع من الفضائح الداخلية والارتباكات الخارجية.
وقد لا يعرف الكثيرون أنه كانت هناك زيارة للعاهل السعودي لواشنطن مقترحة في اواخر شهر نيسان الحالي لكن الرياض اعتذرت عن الزيارة واوفدت الأمير بندر بن سلطان لشرح المبررات التي قالت صحيفة الواشنطن بوست ان البيت الأبيض لم يقتنع بها.
كما قيل ان بعض الزعماء العرب القريبين من النظرية السعودية قد أجّلوا زيارات مماثلة لهم كانت مقررة لواشنطن.
2- الإجراء السعودي الهجومي الآخر, هو اعتماد الحوار مع دول الجوار والذات ايران بدلاً من المضي بعيداً عن السياسة الامريكية والبريطانية التصعيدية بخصوص الملف النووي.
وقد جاء هذا التوجه واضحاً في ثنايا البيان الختامي للقمة والذي ايّد حق ايران في الطاقة النووية السلمية, وفي المطالبة باخلاء المنطقة كلها من الاسلحة النووية،وفي اعتماد الحوار والتعايش سبيلاً للتفاهم بين "المنظومة العربية" وبين دول الجوار.
وفي ذلك نجحت القمة بأن تضع هامشاً منظوراً بين سوريا من جهة وايران من جهة أخرى باعطاء سوريا مظلة دفاعية مشتركة تغنيها عن ايران وباشراكها في عملية السلام وفي إعادة الانفتاح على الدول العربية الأخرى بأقل قدر من الحساسيات.
3- وعلى خط مواز اظهرت الرياض أنها ربما تكون أقدر من الدول العربية الأخرى في قيادة عملية التسوية أو الحل مع اسرائيل،فهي التي استطاعت إدخال حركة حماس في العملية السلمية وهي التي تحاول الآن شيئاً مماثلاً مع حزب الله.
بهذه المعطيات تكون أهمية قمة الرياض ليس في قراراتها السياسية (التي لقيت ترحيباً إعلامياً أكبر من حجمها الحقيقي)، وانما في كون هذه القمة وضعت حداً للحديث عن "شرق أوسط" جديد« وأعادت المرجعية الى النظام العربي بعد كل ما اعتراه، وحاولت أن تملأ الفراغ القيادي في المنظومة العربية.
كل الذين حضروا قمة الرياض شاركوا وهم يعرفون سلفاً ان إعادة تفعيل المنظومة العربية يحتاج الى قيادة, بعد ان خرجت مصر وسوريا والعراق من السباق. وبالتالي فان قيادة المنظومة العربية في المرحلة القادمة قد آلت الى السعودية التي تملك من النفط (أموالاً وقوة معنوية) ومن الميانة السياسية على الملفات العالقة في فلسطين ولبنان, وكذلك من إظهار النوايا الحسنة تجاه ايران, ما يؤهل النفط العربي لأن يحاول مرة أخرى (الأولى كانت في السبعينات) لأن يملأ فراغ القيادة القومية التي ستتولاها الرياض... وأمامها الآن سنة كاملة في رئاسة مؤسسة القمة لتثبت للذين تحفظوا سياسياً وعبّروا عن ذلك إعلامياً بالهجوم على القمة, تثبت لهم أنها طورت اساليبها وغيّرت من لغتها وجددت في أدواتها فاصبحت قادرة على ملئ كرسي الزعامة العربية التي شغرت بوفاة عبدالناصر ولم تستطع سوريا او العمل الفدائي الفلسطيني أو العراق ان يملأوها\.
mustafa@albaddad.com
الكاتب رئيس مجموعة البداد للاعلام واذاعة المدينة ورئيس تحرير سابق