لم يعد المواطن يحلم بحكومات تحقق طموحه، وتحسن دخله، وتذوّب مديونيته ، وترفع من مستوى معيشته، وتحترمه كإنسان على أرضه بقدر ما صار يحلم ان تأتيه حكومة غير مُستفزِّة تتركه بحاله كأي كائن حي، يكمل ما تبقى من العمر كيفما اتفق..
وللأمانة ومن باب الموضوعية علينا أن نعترف أن هذه الحكومة «غير استفزازية»، صحيح أنها لم تغير شيئاً ولن تغير شيئاً في الواقع الاقتصادي والسياسي، لكن على الأقل لا تحاول أن تلعب على حبال الإستغفال والاستخفاف بذكاء وعقول شعب نسبة متعلميه وصلت لأكثر من 90%، كما تحاول جاهدة الا تُجرّ الى قرارات لها علاقة بقوت المواطن المباشر، طبعاً أحياناً تنجح وأحياناً أخرى تفشل لكن بالمجمل ما زالت تحاول ان تضع بصمة تغيير ولو طفيفة.
بعض القرارات الأخيرة ، تدلّ أن الحكومة تمارس أضعف الأيمان في التغيير؛ المحاولات في تشغيل الأردنيين في القطاع الزراعي ، اعفاء العمال المخالفين من الغرامات بغية احلال الأردني مكان الوافد، العمل الذي يستطيع ان يقوم به الأردني يمنع غيره من ممارسته ، وحزمة جيدة من القرارات تبشّر ان الحكومة تبحث عن جذر المشكلة الاجتماعية لا عن أطرافها، تحاول ان تغضّ بصرها عن جيب المواطن الا عند الضرورة بعكس الحكومة السابقة التي كانت »تتحرش» بلقمة عيش الشعب كلما دق الكوز في الجرة دون حاجة تستدعي ذلك ، مستغلة صبر الناس على جوعهم وخوفهم على وطنهم في تعظيم الابتزاز الضريبي.
محافظة الطفيلة التي لم تر طيف أي رئيس وزراء منذ ست سنوات ، استقبلت الملقي قبل ايام وعفت عمّا سلف، وهذه خطوة ايجابية تسجل لصالح الحكومة وتطرح تساؤلاً كبيراً...ترى لم يصنع رؤساء الوزراء كل هذه الحواجز بينهم وبين محافظات وطنهم ؟؟ لم يعتقدون أن حدود بلدهم هي حدود عمان؟؟ لم يخافون من مقابلة المهمّش والمسحوق والضعيف ؟؟ لم يتحاشون كسر الجليد بين الحاكم والمحكوم بين الحاجة والسلطة؟؟ لم يكتفون بفنادق عمان حتى يستعرضون انجازاتهم ، بينما على بعد امتار ،ينبش الأردنيون حاويات الجوع كردّ عملي على تلك الانجازات؟؟ الملقي يزور الطفيلة وهذا واجبه الذي اقسم عليه، وعليه أن يستمع للجميع ، ان يستمع للشكوى من أفواه الموجوعين أنفسهم ، وأن يحل ما يستطيع حله...فلا يكلف الله نفساً الا وسعها...
بالمناسبة الطفيلة قد تكون محظوظة اذا ما قورنت بقرى أردنية أخرى في الشمال والجنوب لم تر مسؤولاً حكومياً واحداً منذ تأسيس الدولة...منذ مئة سبعين عاماً وهي معلقة على شرفة النسيان يتدلى شوكها وشوقها دون ان يلتفت اليها أحد...
»حكومة غير مستفزّة» قد يكون منتهى طموح الأردني في الوقت الحالي... لكن من وجهة نظرنا كمراقبين هذا لا يكفي يجب ان ترتقى الى حكومة نزيهة وتبدأ بغسل يديها من ملفات تعيين ابناء اعضاء الحكومة في الوزارات والسفارات والمؤسسات الوطنية الكبرى...فلا يستقيم أن تأمر الناس بالصلاة وأنت على جنابة، تطهّر، ثم استقم ..
شعبنا بسيط وطيب وغير متطلّب، كل ما يريده ان يبقى كريماً عزيزاً، لا ينحني لأحد، ولا يمدّ يده الا معطياً لا آخذاً، وكل ما يريده حكومات تحترم و تعظّم وجوده ..
الراي