يقول المثل الإنجليزي "لا يحتاج المرء أن يأكل كامل الكعكة ليتعرف على طيب مذاقها"..فقطعة صغيرة تكفي للحكم ما إذا كانت لذيذة أم لا. أسوق هذا المثل لأعبر عن انطباعاتي وأنا أشاهد أعمال الترقيع والصيانة التي تجرى للطريق الصحراوي بعد إهمال لأوضاعه لعقود وتجاهل لمطالب صيانته خلال الأعوام القليلة الماضية، ما جعل منه مصيدة أودت بحياة المئات وجعلت من المرفق الذي كان أحد عناوين التنمية والتطور الأردني في مطلع الستينيات إلى شبح يحصد الأرواح ويولد الخوف لدى مستخدميه. والإحساس بالإهمال وقلة الاكتراث الحكومي لما يعاني منه المواطن.
ما يجري للخط الصحراوي هذه الأيام من طمس للحفر وترميم للتصدعات ومساواة للحواف، فعل يعكس اهتماما حكوميا بأوجاع الناس ويحمل الكثير من المعاني والدلالات، فهو يجري بسرعة تتفوق على الإيقاع البيروقراطي الذي اعتاد عليه الناس ويعكس خرقا لنمط الاستجابات الحكومية لمطالب المواطنين القائمة على الوعود والوعود المؤجلة للقضايا الإكثر إلحاحا.
في الكرك ومعان والطفيلة يعلم الأهالي جيدا ان الترقيع الذي يتم لطريقهم الوحيد إلى العاصمة، لا ولن يحولّه إلى الاوتوستراد المثالي الذي يتطلعون له، لكنهم يشعرون وكما أشعر وأنا أستخدم الطريق بأن الترميم الجاري فعل يبعث على الطمأنينة ويعيد للنفوس شيئا من الثقة؛ فهو لا يحسّن من أوضاع الطريق وسلامة السير عليها، ويقلل من أعداد الحوادث وخطورتها فحسب بل إنه يعبر عن تغير واضح في ديناميكية العلاقة بين الحكومة والمواطن. كما أنه يعني أن هناك من يكترث لصيحات الأهالي ونداءاتهم المتواصلة لحماية أرواح وأموال الناس التي طالما ابتلعها الطريق في مئات الحوادث المميتة عبر السنوات الماضية.
الروح التي تعاطت بها الحكومة مع الخط الصحراوي تصلح أن تكون نموذجا لعلاقة الدولة بالمجتمع. فالاشتباك الإيجابي البعيد عن التعالي والإحساس بِهمّ المواطن واقتناع المواطن بأنّ الدولة تضع كل إمكاناتها في خدمة المجتمع والناس هي الرسالة التي ينبغي أن يعمل الجميع على إيصالها.
يوصف الشعب الأردني من قبل الجميع بأنه شعب كريم وطيب وغيور يحب بلده ومستعد للفداء والتضحية. هذه السمات يمكن توظيفها واستخدامها في إحداث نهضة أردنية شاملة إذا ما عملت الحكومات ومعها الشعب على تفعيل إجراءات بناء الثقة بين المواطن والحكومة وعملت على إحياء قيم الاحترام للمواطن عند كل منافذ الخدمة الحكومية والتأكيد على ذلك. فلا يشعر المواطن عند مراجعته لدائرة حكومية بأنه غير مرحب به أو أن يجري تأجيل البت في موضوعه لغياب المسؤول أو لانشغالات الموظفين أو أي من الحجج التي أصبحنا جميعا نعرفها.
الاحترام والصدق والكرامة الإنسانية قيم يجري الحديث عنها في الوثائق والمؤتمرات باعتبارها مرتكزات أساسية لعلاقة إيجابية بين الدولة والمجتمع. وهي قيم يمكن أن يلمس الناس حضورها أو غيابها من خلال احتكاكهم الدائم مع الدولة ومؤسساتها.
في نهاية الأسبوع الماضي التقت حكومة الدكتور الملقي بأهالي الطفيلة في أجواء سادها الدفء والصدق والاحترام والمصارحة... أمنيات الجميع أن تكون الزيارة التي قام بها الرئيس برفقة أكثر من نصف أعضاء الحكومة فاتحة خير لعلاقة يسودها الكثير من الإيجابية والثقة والاهتمام؛ فالناس يدركون صعوبة الظروف التي تمر بها المنطقة ويتطلعون إلى حلول جذرية لمشكلاتنا الاقتصادية تتجاوز البحث عن الإعانات ومصادر التمويل.
الغد