الكاريكاتير الذي نشره ناهض حتر، تداوله الفيسبوك على صفحات كثيرين وكنت قد رأيته قبل نشر ناهض حتر له على صفحته في صفحات لأصحاب ومعارف حقيقيين وافتراضيين على اختلاف دياناتهم و معتقداتهم.
شخصيا، ارى أن الكاريكاتير يتحدث عن أسقط مخلوقات هذا الكوكب "الدواعش"، ورؤيتهم للرب وللجنة والحياة الآخرة، ومستوحى من أدبياتهم المحصورة بالجنس والغريزة الحيوانية بأدنى مستوياتها، وقد اضحكتني بعض تفاصيل الرسمة، لكن لم أنشرها لأني أدرك حجم سوء الفهم الكبير الناشئ في حال نشرها على صفحتي... وأؤكد مكررا..هو "سوء فهم" للرسمة مرده حجم الحساسية المفرطة لدى غالبية الناس واتساع دائرة المقدس لديهم إلى حد كبير يجعل المقاصد مشوهة فننتهي إلى حالة تشبه حالة ناهض حتر، مع أقل حدة طبعا، لأني محصن نسبيا بتصنيفي كمسلم، وناهض مسيحي حتى لو أسلم ونطق الشهادتين!! (فعليا نشرت جريدة السبيل ذات الرسمة، وكذا فعل الشيخ الإسلامي بسام العموش على صفحته الفيسبوكية)!
طبعا، حين نشر ناهض الرسمة الكاريكاتيرية على صفحته الشخصية، و قد علمت بذلك من ضجة بدأت تنتشر احتجاجا على ذلك، تذكرت طريقة ناهض الفجة في الحسابات، رغم ذكائه العالي و قدرته الفذة في التحليل (مصيبا أو مخطئا) و براعته الفائقة في نثر المفردات (هو أمهر من ينثر الكلام في الأردن)..إلا أن ناهض دوما فج في حساباته، وذلك قائم على منطلق اعتقاده الدائم أنه "قائد" و أن شخصيته تحمل سمات زعامة ما على المستوى الأردني.
مع بدايات الضجة، وبسوء تقدير مني، لم أدرك أنها ستقود إلى حملة تطهير (...)، كتبت إدراجا على الفيسبوك يتعلق بقصة قديمة بيني وبين ناهض، تكشف جانبا من شخصيته العجيبة والصادمة لا أكثر، وفي الادراج صياغة طريفة تغمز من طرف رؤية ناهض "الإقليمية" حول المواطنة والأردن، التي لا يخفيها هو نفسه، وأختلف معه فيها إلى حد كبير.
وردني إعجاب بما أدرجت، إلى ان بدأ الإعجاب يأخذ شكل تعليقات مقلقة، أساءت فهم ما ذهبت إليه، و اصطادت ما كتبت كصيد ثمين و تحويله إلى مشنقة للرجل. وهكذا نبهتني دكتورة اكاديمية أردنية في رسالة خاصة، و أكد على ذلك من أطمئن إلى رأيه وهو صديق من نبلاء الأردن.
شطبت الإدراج، آسفا بيني وبين نفسي على سوء تقديري، وآسفا أيضا على حجم سوء الفهم المستفحل بين الناس..وقد كبرت كرة الثلج و تضخمت و صرت أقرأ على صفحات الفيسبوك كلاما إقصائيا و طائفيا يلامس في محتواه أدبيات داعش نفسها..فأدركت أني بإدراج واحد وضعت نفسي في خندق البغدادي، وفي خندق قاتلي معاذ، وخفافيش العتمة.
عندي عشرات الملاحظات على ناهض، المواطن الأردني السابح دوما عكس كل التيارات بما فيها تيار المنطق السياسي المعتدل، لكن بحياتي لم أنظر للرجل كابن عشيرة مسيحية هي من نبلاء الوطن كباقي مسيحيي الأردن.
ومن المعيب، المعيب جدا وأنت تخاصم الرجل أن تستقوي عليه بأغلبيتك الدينية، بدلا من الاستقواء عليه بالقانون الذي يجعل الجميع متساوين أمامه، ويجعلك تشعر بالاطمئنان إلى دولة المؤسسات غير المتوفرة حاليا للأسف في الوطن الأردني.
الدولة الأردنية التي تتأرجح بنيتها التأسيسية بين مفهوم القبيلة لا تزال، و فكرة دين الدولة المدسترة بدون توضيح.. على الغالب ستعيش شيزفرينيا اجتماعية مرعبة هي أشبه بثغرات يتسلل منها فكر العتمة، خصوصا مع انتشار الفساد.
في ظل كل هذا، كانت حسابات ناهض، فجة و في غير محلها، وكان عليه أن يكون أكثر حصافة وهو المستهدف لتطرفه في آرائه السياسية، قبل نشر الرسم "غير المسيء فعليا" لكن القلوب مليانة...بالإضافة إلى انها أيضا – في الأردن- دوما قصة الرمانة.
فكر جيدا قبل أن تحكم...فإن كنت ترى في ناهض حتر عدوا لك بناءا على منطلق طائفي، فاعلم أن أحلام البغدادي و فكر العتمة تمكنا منك، وإن كنت تخاصم ناهض على باقي مواقفه المتطرفة والمجنونة سياسيا، فكن نبيلا بخصومتك، وحددها بشخص ناهض لا امتداداته الدينية، وحاكم أفكاره السياسية لا معتقداته الدينية.. و دوما طالب بحكم القانون..و عدالة المؤسسات في الدولة.