معياري الأول عند اختياري لأي فني يقدم لي خدمات فنية سواء منزلية أو للسيارة هو الأخلاق ،اجرب الشخص أول مرة ،وإذا وجدته خلوق وصادق أستمر بالتعامل معه ، لا يهمني كثيراً مستواه الفني ،فلدي من الخبرة الفنية ما يكفي للأشراف عليه والحصول منه على أفضل خذمة ممكنة ،ولم يحصل بتعاملي مع هذه النوعية من الفنيين أي سوء فهم وفي كل مرة كانوا ينهون عملهم كنت أكرمهم بالأجرة بأكثر مما يطلبون ،ولهذا أجدهم في كل مرة أحتاجهم يستجيبون لطلبي بأسرع ما يمكن .
اليوم كنت بحاجة لأجراء بعض الصيانة لسيارة زوجتي ،ذهبت للمنطقة الصناعية وأنا فاقد الأمل من أن أجد أحد يعمل يوم الجمعة ،وأثناء بحثي عن ورشة ميكانيك وجدت ورشة أحد الفنيين من الذين أحب التعامل معهم مشرّعة أبوابها ،فتوجهت إليه وعندما هممت بالسلام عليه وجدته قد فقد أكثر من نصف وزنه وفقد الكثير من شعر رأسه ووجهه شاحب ويداه وثيابه كالعادة ملطخة بالزيوت والشحوم . فسألته للاطمئنان عليه "شو مالك يا رجل ،ليش هيك وزنك نازل " ، فأجابني بابتسامة يائسة " الحمد لله ،لقد ابتلاني الله بسرطان الدم ،ونزل وزني وكت شعري بسبب الكيماوي والأشعة التي أتلقاها مرتين يالأسبوع " . حزنت كثيراً على هذا الرجل الطيب الذي كان يصدمني بمقدار الأجر الضئيل الذي يتلقاه مقابل أتعابه رحمة بزبائنه من الناس المعوزة ،وحزنت أكثر عندما أبلغني أنه يعمل يوم الجمعة كي يعوض عن الساعات الطويلة التي يقضيها أثناء تلقيه العلاج خلال أيام الأسبوع معللاً ذلك بأن متطلبات الحياة لا ترحم ،والناس لم يعد عندهم متسع من الرحمة ،فالكل منهمكين بتحصيل عيشهم غير مقتدرين على مساعدة حتى أقرب الناس إليهم .
تأملت المشهد كاملاً ، فكم من مترفين مسرفين على أكلهم ولبسهم وسفرهم وسياراتهم الفارهة وقصورهم وفيلالهم ومسابحهم والجاكوزي والساونا الخاصة بهم وسهراتهم ومعاشرة الحسناوات والصرف عليهم بسخاء بأرقى المنتجعات العالمية ،وعند الطلب منهم مساعدة لأمثال هذا الميكانيكي ،يتأنفون ويجيبون بقرف "إللي خلقهم أولى بهم "