تجدد الاهتمام بالقضية الفلسطينية
د. صبري ربيحات
12-08-2016 12:18 AM
برغم انشغال العرب بصراعاتهم الداخلية، وانهيار أنظمة عربية، وفقدان بعضها الآخر قدرته على حماية وجوده، تفاجأ المراقبون والمتابعون لأعمال القمة العربية الأخيرة في نواكشوط بتجدد الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية، وإعادة التأكيد على الحقوق الفلسطينية ضمن إطار الشرعية الدولية.
الكثير ممن تابعوا أعمال القمة وبيانها الختامي توقفوا عند الإشارات التي حملها البيان بخصوص الأمن القومي العربي، وضرورة بناء استراتيجيات عربية للحفاظ عليه، والاستعراض الشامل لأوضاع الدول العربية التي تعاني حالة صراعات وتهديد وحروب أهلية، لاسيما العراق وسورية واليمن وليبيا والسودان والصومال. وانتقال البيان للحديث عن الأراضي الفلسطينية المحتلة وضرورة إيجاد حل ينهي الاحتلال ويعيد الحقوق، وصولاً إلى الحديث عن الأخطار الخارجية التي تهدد الأمن العربي.
في البيان الختامي للقمة لغة قديمة جديدة؛ فهي تعيد الاهتمام لقضية العرب الأولى التي تلاشى اهتمامنا بها بعدما أصبحت الأمة مضطرة للدفاع عن فكرها وطبيعتها وإنسانيتها ووجودها. وبعد أن أصبحت صورة العربي المسلم مقرونة بصورة القتل والتخريب والدمار.
المفاجأة التي حملتها القمة تأتي من حقيقة تناسي العالم العربي للقضية والانشغال عنها خلال سنوات "الربيع العربي"، بعد أن كانت رمزا للهوية وعنوانا للوحدة وموضعا للإجماع، وبعد أن كانت معيارا يحدد على ضوئه العرب علاقتهم بشعوب الدنيا. فعلى مدار قرن، كنا نعتبر أن القوى الثورية في العالم أصدقاء للعرب، بحكم خطاباتهم المعادية للظلم والاستعمار؛ فأحببنا جيفارا، وماو تسي تونغ، وكاسترو... وكل الذين ساندوا حق العرب في سعيهم للتحرر ودحر الاحتلال.
وكنا قبل نشوء منظمة التحرير الفلسطينية، نتغنى بتاريخ المتطوعين العرب من سورية والعراق والمغرب العربي. واعتقدنا أن علينا إقناع العالم بعدالة القضية ونبل المهام التي قام بها جيش الإنقاذ وطلائع الثوار.
وخلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، حمل الشباب العربي روحا نضالية وتصميما على الوقوف في وجه القهر والظلم والاستعباد. ولا أظن أن سياسيا عربيا واحدا أهمل في أي من خطاباته وأحاديثه ومباحثاته ولقاءاته الصحفية، القضية الفلسطينية والحق العربي. كما لم يمض يوم أو مناسبة من دون أن ينظم الشباب العربي مسيرة أو مهرجانا أو اعتصاما للتعبير عن الغضب والاستنكار للتعدي والظلم اللذين كانت تمارسهما قوى الشر والظلم.
العشرات من قدامى المناضلين رحلوا قبل أن يعرفوا أن رفاقا لهم تحولوا إلى حمائم سلام، وآخرين اعتمدوا على التاريخ النضالي وعلاقاتهم التاريخية مع رموز النضال لإعادة تأهيل أنفسهم كقيادات محافظة، يحملون رؤية تتسم بالحكمة التي ظنوا أن أسلافهم افتقروا لها.
القضية الفلسطينية تقلصت لتختزل في بضع قرارات أممية، يحفظها الكبار والصغار عن ظهر قلب. والكفاح الفلسطيني أصبح أحاديث وأوراقا ومناظرات يقوم عليها أكاديميون وكهول تقطعت بهم السبل، فاحترفوا إعداد ردود ومداخلات تفند أفعال وأقوال خصومهم لتبدو القضية الفلسطينية وكأنها مناظرة على مدرج جامعة عربية يجري الدفاع عنها من قبل رجال ونساء يمتازون بقدرات خطابية عالية.
في السنوات الخمس الماضية، تلاشى الحديث عن الحقوق العربية والصراع العربي الإسرائيلي في معظم المناسبات التي كانت تكرس له، وانشغل العديد من قدامى المناضلين بأدوار جديدة في الإقليم. وظهرت على الساحة وجوه جديدة تستخدم خطابات وأدبيات من الزمن الذي مضى، من دون مراعاة لما مر على المنطقة من تغيير، أو إدراك للمزاج العربي والعالمي والفلسطيني.
اهتمام القمة العربية بالقضية الفلسطينية يأتي متزامنا مع الأفكار التي قامت عليها المبادرة الفرنسية، والزيارة التي قام بها وزير الخارجية المصرية لإسرائيل مؤخراً، ودعوته لإعادة إحياء المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية من أجل الوصول إلى سلام دافئ، حسب اللغة التي استخدمها الوزير المصري.
الدعوات العالمية، والمقترحات العربية، والمبادرات "المصرية والفرنسية"، تقابل إسرائيليا ببرود لا مثيل له. فالأمن القومي الإسرائيلي في أحسن أحواله، ولا تهديدات محتملة أو متوقعة، وسيل المبادرات يتوالى لحاجة لدى أصحاب المبادرات، لا لحل أزمة يعاني منها الإسرائيليون.
الاهتمام العربي المتجدد بالقضية الفلسطينية، لا يعدو تسلل للغة خطابية قديمة، ربما أعادها الأمين العام الجديد للجامعة. أو أنها لغة المجاملة المعتادة التي لا تترك مساحة لعتب دولة أو شعب على المؤتمرين، بأنهم تناسوا أو نسوا قضيتهم.
الغد