كنت قد كتبت عند تشكيل الحكومة السابقة اننا بصدد نمط اخر من الحكومات تتسم بانها خير من يمثل الطبقة الوسطى من ناحية الثقافة والرؤى على وجه التحديد ولم تمض الا اشهر قليلة حتى كانت الهجمة النيو ليبرالية قد استباحت مضامين الولاية العامة المناطة بالحكومة لتنشأ حكومة ظل تدير المشهد في الخفاء فتأخذ المغانم وتترك للحكومة المغارم فكان الاحباط هو السيد في سياق متابعة الاداء العام خصوصا بعد ان تم وسم تلك الحكومة - طبعا من قبل رموز تلك المدرسة - بالتردد والمراوحة ، والحقيقة ان الذين اسندت لهم المسؤولية في تلك المرحلة لم يخطئوا الا خطأ واحدا تمثل في التنازل عن الولاية المنصوص عليها في الدستور لمصلحة اشباح لا نراهم ونرى افعالهم.
حين غادرت تلك الحكومة كنت من المشفقين على بعض اركانها لانهم حملوا وزر مرحلة صعبة مليئة بالاستحقاقات المؤجلة لكنهم في المحصلة وقعوا ضحايا الصمت على استلال الولاية العامة من بين يديهم وربما برغبتهم.
بعد ذلك كان الحذر من رفع سقف التوقع ينتابنا مع تشكيل الحكومة الحالية لاننا صدمنا بالتي قبلها لكن الاشهر القليلة الماضية اعادت التفاؤل الى مطرحه فالقضية اضحت استعادة الولاية العامة حسب نصوص الدستور بحيث يمكن للرأي العام ان يقول شكرا للمصيب ويحاسب المخطئ وهو امر كان متغذرا في ظل حالة الضبابية التي تكتنف المشهد وتعدد امكنة اتخاذ القرار في المرحلة الماضية.
لعل المتتبع لحراك رئيس الوزراء خلال الاشهر القليلة الماضية يلمس الجدية الصارمة والعزم المطلوب على تحمل المسؤولية بثقة عالية وبرغبة قوية في الانجاز فالرئيس يذهب مباشرة الى جوهر القضايا فيتخذ القرار دون تسويف او مماطلة وهي الروح التي كانت مفتقدة في الماضي ولعلها كانت البوابة التي تم الولوج عبرها لاستلاب الولاية العامة، لكن السرعة في تخاذ القرار والجدية والحسم اغلقا الباب امام كل المحاولات البائسة.
وكان القول الفصل في هذا الشأن متمثلا في مقولات جلالة الملك في تصريحاته الاخيرة لوكالة الانباء الاردنية حول مفهوم الولاية العامة وان للحكومة وحدها حق اتخاذ القرارات لانها هي وليس غيرها المسؤول امام الملك والناس عبر البرلمان.
قبل ايام كنت ضمن مجموعة من الاعلاميين في دار الرئاسة وحضرنا نقاشا دوريا قاده الرئيس حول الاستراتيجية الوطنية للوقاية من حوادث السير وفي سياق النقاش طلب مدير عام الدفاع المدني تمويلا لتحديث بعض الاجهزة ليكون الاداء في المحصلة افضل فكان رد الرئيس مذهلا في مضامينه حيث قال بـ"ان التمويل اللازم سيصرف الان" ، اذ لم يؤجل المسألة الى اليوم التالي وثمة الكثير من الشواهد التي تؤكد هذه الروح سواء في ايقاف عطاءات محددة ضمن مبادرة سكن كريم او في التعامل مع عطاء مكتب زوجة رئيس "العقبة الخاصة" حتى في طريقة ادارة النقاش حيث كان يرجو الحاضرين بان يتوجهو الى جوهر القضايا دون مقدمات تهدر الوقت.
لقد انخفضت حوادث السير بارقام تفاجئ القارئ ولولا هذه الروح لما كان هناك انجاز يذكر، على النقيض ممن كان يبحث في امهات الكتب عن "تصورات قبلية واطار زمني للتحرك وقابلية للقياس" في وقت كانت فيه الولاية العامة غائبة والقرار الفعلي في مكان اخر. نحتاج الى مثل هذه الروح في ادارة البلاد: سرعة دون تسرع وفهم دون فذلكات وجدية في الانجاز لا حملات علاقات عامة تنتهي الى لا شيء، ولان الرئيس هكذا فنحن لا نخجل من الوقوف خلفه.
samizobaidi@gmail.com